نفحات شهر شعبان
بقلم الدكتور وائل عبد الكريم المدرس المساعد بكلية الدعوة الإسلامية
شهر شعبان من الشهور الكريمة فيه تُرفع الأعمال إلى ذي العزة والجلال سبحانه وبحمده، ولقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يخبر أن هذا الشهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله -عز وجل-، فيحب أن يُرفع عمله وهو صائم -صلوات ربي وسلامه عليه-.
لذا ثبت الحديث في السنن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سُئل عن كثرة صيامه من شعبان قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وفيه ترفع الأعمال إلى الله فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
** ثم إنه في هذا الشهر العظيم ليلة من الليالي الفاضلة وموسم من مواسم العفو إنها ليلة النصف من شعبان.
يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في أحاديث متعددة صححها عددٌ من أهل العلم وحسَّنها بعضهم "أن الله -عز وجل- يطَّلِع إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر أهل الأرض إلا ما كان من مشرك أو مشاحن".
"الله -عز وجل- يطلع إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان"، وليلة النصف هي ليلة الخامس عشر وهي التي تكون بمغيب شمس اليوم الرابع عشر من الشهر فإذا غابت الشمس يوم الرابع عشر من شعبان أذن آذان المغرب فتلك ليلة النصف من شعبان، تلك ليلة يعفو الله -عز وجل- فيها ويغفر ويرحم ويتكرم على عباده.
** وفي شهر شعبان وقعت حادثة تحويل القبلة والتي تعد من الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم، وهتْكِ سرائر الحاقدين والمرجفين، وهكذا يظلُّ تحويل القبلة حدثًا فارقًا في تاريخ الدَّعوة الإسلاميَّة، ومسيرةِ بناء الدولة المسلِمة.
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ الْيَهُود قَوْمٌ حُسَّدٌ وَإِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإمَامِ: آمِينَ، وَعَلَى السَّلَامِ).
عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة كان يستقبل بيت المقدس، وبقي على ذلك ستة - أو سبعة - عشر شهراً، كما ثبت في الصحيحين من حديث البَرَاءِ بن عازب -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ. . . الحديث.
ثم بعد ذلك أمره الله تعالى باستقبال الكعبة ( البيت الحرام ) وذلك في قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]
فأمر الله تعالى نبيَّه في هذه الآية باستقبال الكعبة، ومن ذلك الوقت صارت الكعبة
قبلته -صلى الله عليه وسلم-، وقبلة أمته مِن بعده، وقد سجل لنا القرآن الكريم ذلك قال تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).
** الأعمال المستحبة في شهر شعبان:
أولًا: آكد هذه الأعمال وأهمها سلامة القلب؛ فإن أولى ما ينبغي علينا تفقده استعدادًا لهذه المواسم الفاضلة هو أن نتفقد قلوبنا؛ قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)).
ثانيًا: ومن آكد هذه الأعمال أيضًا الإكثار من الصيام.
فإن الصيام في شهر شعبان هو سُنَّة واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ (لم أرَك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان ...)؛.
♦ وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يُفطِر، ويُفطِر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان).
إن الصوم في شعبان هو بمثابة السُنَّة القبليَّة لشهر رمضان؛ فإن الله تعالى جعل لكل فريضة نافلة قبلية وبعدية.
ومن الأعمال المستحبة أيضًا في هذا الشهر الكريم التوبة والرجوع إلى الله جل وعلا وكثرة الاستغفار وكثرة الصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصل الله على سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات