الصمت لغة العظماء




بقلم :محمد صلاح

في زمنٍ صارت فيه الأصوات عالية والقلوب خاوية اختار البعض أن يلوذ بالصمت لا عن ضعف بل عن حكمةٍ لا يفهمها إلا من ذاق مرّ التجربة وعرف أن الكلام أحيانًا لا يُداوي بل يزيد الجراح عمقًا.


"خلوني ساكت"ليست مجرد جملة بل صرخة مكتومة تنبع من قلبٍ أنهكه الألم وظهرٍ أنهكته الحمول. فالصمت أحيانًا لا يعني الرضا بل هو احتجاج النبلاء حين تعجز الكلمات عن التعبير وتضيق النفوس بالأوجاع.


صمتُ العظماء لا يُقرأ في وجوههم فقط بل في عيونهم التي تحدثك دون أن تنطق في وقفتهم الثابتة رغم الانكسار وفي قدرتهم على احتمال الألم دون شكوى فحين يقول الرجل:


> "لو اتكلمت يبكي الحجر علشاني"

فاعلم أن ما يحمله يفوق الوصف وأن الكبرياء يردّه عن الشكوى ولو إلى أقرب الناس.

في عالمٍ تاهت فيه المعاني صار الوفاء عملة نادرة والغدر عادة مستباحة يتبدل الناس وتنكشف الوجوه:


> "من يطلب عنيا بقلة حاضر والصغير والكبير بعملة خاطر."

ويصبح السؤال: أين الجدعان؟ وأين من يتذكرون وقت الضيق؟

الصمت هنا ليس هروبًا بل ارتقاء. هو قرار من جُرِح كثيرًا حتى فقد الثقة وعلّمته الحياة أن لا ينتظر من أحد شيئًا فالصامت في هذا الزمان ليس عاجزًا بل قرر أن يحتفظ بما تبقّى من كرامته في قلبه بدل أن يستهلكها في رجاءٍ لا يُجدي.

فهو لا يشكو بل يُخبرك كيف صار الصمت ملاذه بعد أن رأى الوجوه تسقط، والقلوب تتغير والضمائر تموت

إنه زمن القلوب السوداء والحسد الخفي والابتسامات الزائفة والنيات المبيّتة زمنٌ يُحارب فيه النقي ويُصفق فيه للزيف ويُكافأ الخائن

في النهاية يختار الصمت لأنه أدب لأنه حكمة لأنه بُعدٌ عن المهاترات فالصمت لا يعني العجز بل يدل على أن هذا الإنسان قد رأى ووجِع وتعلم فقرر أن يكون عظيمًا بصمته بدل أن يكون ضعيفًا بكلام لا يُغير شيئًا.


> الصمت هو حوار الحكماء، وسلاح المجروحين، وملاذ الكبار.

فدعوه ساكتًا... فـ"الصمت لغة العظماء".

ليست هناك تعليقات