من مكافحة الحفاء إلي مشروع القرن
بقلم: د. غادة محمد عبد الرحمن
على الرغم من مرور 73 عام على قيام ثورة الـ٢٣ من يوليو عام 1952م، وتحولها إلى تجربة متكاملة، ومحفوظة، بما لها وعليها في سجلات التاريخ، الذي أكد وبما لا يدع مجال للشك، على عظمة هذه الثورة، ومجيئها في الوقت المناسب، إلا إن مازال هناك من يهاجمها، ويهاجم قائدها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، ويشكك في انجازاتها، ويدعي بأن حال الوطن قبلها كان أفضل بكثير مما أصبح عليه بعدها، وان الشعب المصري لم يجني من وراءها إلا الهزائم والأزمات.
وهذه أكاذيب يمكن فضحها بكل سهولة، وبمجرد النظر إلى مصر ما قبل الثورة، ومصر ما بعدها، حيث نكتشف الاختلافات الشاسعة، والتغيرات الجذرية، التي طرأت على الحياة في مصر الثورة في المجال السياسي، والعسكري، والاقتصادي، والعلمي، والثقافي، وغيرها من المجالات التي عم عليها مظاهر الازدهار، والتقدم.
ولان الحديث تفصيلياً عن أوجه التقدم في كل هذه المجالات يحتاج إلى مجلدات، سوف نكتفي بإلقاء الضوء على تغيراً واحداً من وسط كل التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري بعد ثورة يوليو، إلا وهو التغيير في فلسفة المشروعات القومية، والفرق الكبير بين مشاريع العهد الملكي، ومشاريع العهد الجمهوري الثوري.
فقد كان مشروع مصر القومي في ظل حكم الملك فاروق "مشروع مكافحة الحفاء" وذلك بالمعنى الحرفي للجملة، حيث كان أغلب أبناء الشعب المصري في ذلك الوقت يمشون حفاة الأقدام، ولا يستطيعون شراء أحذية تستر أقدامهم، وتقيها حر الصيف، وبرد الشتاء، ولهذا قام الملك فاروق عام 1941م بمخاطبة مجلس الوزراء برئاسة حسين سري لإيجاد حل لهذه المشكلة، وقد استجابت الحكومة لمخاطبة الملك، وتقرر شراء ستون ألف حذاء لتوزيعها علي الحفاة، وتم تشكيل لجنة حكومية من كبار رجال الدولة وذلك لمباشرة مشروع مكافحة الحفاء، وقامت الصحف بحملات جمع التبرعات للمساهمة في المشروع القومي لهذا العهد.
أما مصر الثورة فقد تعددت فيها المشروعات القومية، كان أبرزها "مشروع السد العالي" الذي شيد في الفترة الممتدة بين عامي 1960م و1970م، وكان شاهداً علي ملحمة من أعظم ملاحم كفاح الشعب المصري، بداية من الإصرار على بناء السد، وتحدي الغرب الاستعماري الرافض لهذا المشروع، وما نتج عن ذلك من عدوان ثلاثي، ضد استقلال الوطن، وتقدمه، ثم ما قام به الشعب المصري من مقاومة شعبية أذهلت العالم.
ولكن ما يهمنا في هذا المقام، هو النتائج الاقتصادية لبناء السد العالي، فبالإضافة لإنقاذ مصر من الفيضان، والجفاف المائي معاً، وذلك نظراً لدور بحيرة ناصر في التقليل من اندفاع مياه الفيضان، وتخزينها، للاستفادة منها في أيام الجفاف، فقد أدى بناء السد إلى مضاعفة رقعة الأرض الزراعية، وتنوع المحاصيل المزروعة، وكثرتها، حيث كانت الأرض الزراعية وقبل بناء السد تزرع مرة واحدة في العام، أما بعد السد فقد أصبحت تزرع أكثر من مرة، وذلك لتوافر المياه اللازمة للزراعة طوال العام، هذا علاوة على توليد الطاقة الكهربائية المستخدمة في الإنارة، وإدارة آلات ضرورية، وتشغيل المصانع، وغيرها من استخدامات هائلة، ولكل هذه الفوائد وغيرها من فوائد لم تتسع هذه السطور للإشارة إليها، أطلقت "الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبرى" على السد العالي لقب "مشروع القرن" حيث تم تصنيفه كأعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين، متقدماً بذلك علي مائه وعشرين مشروع عملاق على مستوى العالم، مثل "نفق المانش" الذي يربط بين بريطانيا وفرنسا، وذلك في التقرير الصادر عنها عام 2005م، ليكون حكم من جهة محايدة ببراءة المشروع من كل التهم التي كثيراً ما وجهت إليه.
وأخيراً، وبعد هذه المقارنة البسيطة بين عهدي ما قبل الثورة، وما بعدها، على كل من يعادي ثورة الـ٢٣ من يوليو أن يقطع الطريق بين مكافحة الحفاء، ومشروع القرن، وذلك حتى يدرك الحقائق التاريخية، والمنطقية أيضاً.
فكل التحية للثورة الملهمة لكل الشرفاء، ولقائدها الخالد الذي كان ومازال وسيظل حبيب الملايين.
ليست هناك تعليقات