*بمحاضرة عن «الهجرة النبوية».. انطلاق الأسبوع الدعوي لمجمع البحوث الإسلامية في رحاب الجامع ‏الأزهر*‏


‏*د. أحمد عمر هاشم: الهجرة النبوية الشريفة مناسبة كريمة تذكرنا بأعظم حدث وقع في تاريخ الإسلام‏*‏


‏*د. محمد الجندي: الهجرة النبوية ‏مسار بنائي ونهضوي لصناعة الأمة لا يدركه إلا من امتلأ قلبه ‏بالتصديق والإيمان*‏


‏*د. حسن يحيى: الهجرة النبوية حدثٌ فارق غيَّر مجرى التاريخ ونصرٌ أسس به الرسول مجتمعًا جديدا*‏



انطلقت مساء امس  الاثنين فعاليات الأسبوع الدعوي، الذي تنظمه الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، ‏بالتعاون مع الجامع الأزهر، تحت عنوان: «الهجرة النبويَّة.. تدبيرٌ إلهيٌّ وبُعدٌ إنسانيّ»، وشهدت فعاليات ‏اليوم الأول حضورًا جماهيريًّا ملحوظًا داخل الظلة العثمانية بالجامع الأزهر، بمشاركة علماء الأزهر، وذلك ‏برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.‏


وأكّد فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، في مستهل كلمته ‏خلال ندوة اليوم الأول من الأسبوع الدعوي أنَّ الهجرة النبويّة الشريفة تمثّل مناسبة كريمة تُذكّر بأعظم حدث ‏وقع في تاريخ الإسلام، وهو انتقال النبيّ ﷺ من مكة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، بأمرٍ من الله تعالى، ‏لتأسيس مجتمع جديد، وبناء دولة تنطلق منها رسالة الإسلام إلى الآفاق.‏


وأوضح فضيلته أنّ الهجرة النبويّة جاءت محفوفة بالعِبر والدروس العظيمة، وظهر فيها جانب من ‏خصائص النبيّ ﷺ التي تفرّد بها، فقد خصّه الله بالهجرة، وخصّه بالإسراء والمعراج، وجعل له مقام الشفاعة ‏الكبرى يوم القيامة، كما جاء في حديث صحيح رواه الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن ‏النبيّ ﷺ يكون أوّل من يستفتح باب الجنة، فيقول له خازنها: «بِكَ أُمِرْتُ، لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ».‏


وأشار عضو هيئة كبار العلماء إلى رفعة قدر النبيّ ﷺ، وسموّ منزلته عند الله عز وجل، مستشهدًا بقول الله ‏تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، وبما رواه أن جبريل عليه السلام قال للنبيّ ﷺ: «لا أُذكَرُ إلا ذُكرتَ معي»، ‏ولذلك اقترن اسمه باسم الله تعالى في الأذان والتشهّد، وتوقّف فضيلته عند مشهدٍ مؤثّرٍ من لحظة مغادرة ‏النبيّ ﷺ لمكة، إذ خرج منها متوجّهًا إلى المدينة وقلبه يتفطّر شوقًا إلى أحبّ بلاد الله، وقال وهو يودّعها ‏بعين دامعة: «واللهِ إنّكِ لَأَحَبُّ أرضِ اللهِ إليَّ، وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى الله، ولولا أنّ قومكِ أخرجوني منكِ ما ‏خرجت»، فجاءه الوحي في لحظتها يُثبّته ويُبشّره: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ﴾.‏


وبيَّن فضيلته خلال كلمته أنَّ الهجرة لم تكن فرارًا، بل تأسيسًا لدولة إسلامية جديدة، أُقيمت على ثلاثة أسس ‏متينة: أولها توثيق الصلة بالله، وثانيها توثيق علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وثالثها توثيق الصلة بغاية ‏الإسلام الكبرى، لتكون الهجرة بذلك مدرسةً خالدة في الفهم والتخطيط والعمل والبناء.‏


من جانبه، أكد فضيلة الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الهجرة النبويّة ‏ليست مجرّد حدث تاريخي أو انتقال جغرافي، بل هي مسارٌ بنائيٌّ ونهضويٌّ لصناعة الأمة، لا يدركه إلا ‏مَن امتلأ قلبه بالتصديق والإيمان، مستشهدًا بموقف سيدنا أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه الذي رفع يديه ‏قائلاً: «الصحبةَ، الصحبةَ يا رسول الله»، ليكون تصديقه القلبي هو البداية الحقيقية لرحلة الهجرة.‏


وأوضح فضيلته أنّ الهجرة تنقسم إلى هجرة «مبنى» وهجرة «معنى»، مشيرًا إلى أن رسول الله ﷺ جمع بين ‏الهجرتين؛ إذ هاجر بجسده وروحه، بينما يُطلب من المؤمنين اليوم أن يهاجروا بقلوبهم إلى رسول الله، ‏فيتحقق فيهم المعنى الروحي للهجرة، وهو التعلّق القلبي برسول الله ﷺ، بحيث يتصل قلب المؤمن بقلب ‏نبيّه، فيعيش في حضرته المعنوية كما لو كان في الروضة الشريفة.‏


وأشار فضيلته إلى أنّ التصديق القلبي هو الأساس في استحضار حدث الهجرة وفهم أبعاده، وهو ما يتطلب ‏إخلاصًا في النيّة وصفاءً في التوجّه، لافتًا إلى أن الإمام البخاري صدّر صحيحه بحديث النيّة: «إنما ‏الأعمال بالنيات...» ليؤكد أن كلّ هجرة – سواء كانت مكانية أو معنوية – لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة لله ‏ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.‏


كما أكد فضيلة الدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد لشؤون اللجنة العليا للدعوة الإسلامية، أن الهجرة ‏النبويّة كانت حدثًا فارقًا غيّر مجرى التاريخ، وأنّ القرآن الكريم وصفها بالنصر، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا ‏تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾، مشيرًا إلى أنّ النصر – بمفهومه الشامل – يُحدث تحوّلات كبرى في حياة الأمم، ‏لأنه يُمكّن المنتصر من فرض قيمه وأفكاره وتقاليده على الواقع.‏


وأوضح فضيلته أن الهجرة لم تكن مجرّد انتقالٍ جغرافي، بل كانت إرادةً إلهية تجلّت في صورة نصرٍ مبارك، ‏أتاح للناس أن يستمتعوا بوحي السماء، ويهتدوا بتعاليم النبوّة التي قامت على تقويم الاعوجاج وتصويب ‏الأخطاء. وأكّد أنّ النبي ﷺ أسّس بهذا النصر مجتمعًا جديدًا في المدينة، غيّر العادات والأعراف التي كانت ‏سائدة آنذاك، وهو ما يُعدّ من أهمّ وسائل التغيير الحضاري والتاريخي.‏


واختتم الدكتور حسن يحيى كلمته بالإشارة إلى أنّ من أبرز ثمار الهجرة المؤاخاة التي عقدها النبي ﷺ بين ‏الأوس والخزرج، وبين الأنصار والمهاجرين، بعد أن كانوا في جاهليّتهم يقتتلون لسنين طويلة لأسباب ‏واهية، دفنوا فيها أنفسهم بأيديهم من أجل ناقة أو ضرع. فجاءت الهجرة لتزرع أعرافًا جديدة يسودها الأمن ‏النفسي والاجتماعي، وتُوحِّد الصفوف وتُقيم مجتمعًا متماسكًا يقوم على الإيمان والتكافل.

ليست هناك تعليقات