غش اللبن: الخطر الصامت
بقلم الدكتور محمود محمود هويدى
الأستاذ المتفرغ – جامعة الفيوم
يعد اللبن من الأغذية الأساسية في النظام الغذائي اليومي خاصة الأطفال في مرحلة النمو وغيره من الفئات الأخري لما يحتويه من عناصر غذائية مهمة وضرورية لصحة الإنسان من بروتينات ودهون ولاكتوز وفيتامينات واملاح معدنية.
ومع ازياد الطلب علي اللبن تنامت ظاهرة غش اللبن بغرض الربح السريع وهو ما يشكل تهديدا مباشرا علي الصحة العامة للمستهلك. ويشير الغش إلى أي تغير متعمد في التركيب الطبيعي فى اللبن بهدف التضليل أو تقليل التكلفة مما يقلل من جودته و يتسبب بآثار ضارة للإنسان.
ومن أبرز صور غش اللبن انتشارا ، إضافة الماء، نزع الدهن جزئيا أو كليا، اضافة الزيوت النباتية، اللبن المُعاد تكوينه، إضافة مواد مُغلّظة للقوام مثل النشا، الدقيق، الجلوكوز، الملح. إضافة المواد الحافظة مثل المواد المعادلة للحموضة مثل بيكربونات الصوديوم، هيدروكسيد الصوديوم، إضافة ماء الأكسيجن للمحافظة على طزاجة اللبن، وغيرها.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق الإشارة إلى أن اللبن الصناعي يُنتج بخلط اليوريا والزيوت النباتية والصودا الكاوية والسكر والملح ومسحوق اللبن الفرز. ويستخدم المنظف لاستحلاب وإذابة الزيت في الماء لتكوين محلول رغوي أبيض اللون والمميز باللبن، وتستخدم اليوريا للتبييض وتحسين القوام ورفع مستوى كل من المادة الصلبة اللادهنية والنيتروجين غير البروتيني لِتُماثل النسبة الطبيعية في اللبن.
والماء هو أكثر المواد المستخدمة في غش اللبن وبغرض زيادة كميته وتحقيق مكاسب غير مستحقة ويترتب على ذلك انخفاض القيمة الغذائية فى اللبن فضلا عن أن إضافة الماء الملوث إلى اللبن تُشكل خطرًا صحيًا خطيرًا على مُستهلكيه لكونه مصدرا لتلوث اللبن بالعديد من الميكروبات الضارة.
وغش اللبن باستبدال دهن اللبن الطبيعي بزيوت نباتية (مثل زيت النخيل أو زيت فول الصويا) بغرض تقليل التكلفة وزيادة الأرباح. وقد يلجأ البعض من منتجي وتجار الألبان لإضافة المنظفات ومواد التنظيف الكيميائية (مثل الصودا الكاوية) وذلك لزيادة الرغوة والمظهر الكريمي إلى اللبن و إخفاء علامات الفساد أو الحموضة و إطالة مدة صلاحية اللبن. وقد تستخدم المنظفات كعامل لاستحلاب الزيت المضاف الى اللبن بعد نزع محتواه من الدهن والحصول على محلول رغوي أبيض ويعزز وجود المنظفات الخصائص التجميلية إلى اللبن. وتعتبر الصودا الكاوية من أكثر المواد المستخدمة في غش اللبن بغرض معادلة حموضته.
وتستخدم كل من بيكربونات الصوديوم والفورمالين وحامض البوريك وحامض البنزويك كمواد حافظة، كما أن استخدام فوق أكسيد الأيدروجين يطيل مدة طزاجة اللبن.
تستخدم اليوريا في الغش لزيادة محتوى اللبن من النيتروجين. وتؤدي إضافة النشا إلى اللبن لزيادة لزوجته وسمكه، مما يجعله يبدو أكثر كريميًا وجاذبية. وينتج عن استخدام النشا وكل من دقيق القمح ودقيق الأرز كوسيلة غش في اللبن زيادة محتواه من المادة الصلبة غير الدهنية، ويسهم في ذلك أيضا إضافة السكر غير أنها تقلل من جودته.
يؤدي غش اللبن بإضافة الكربونات لحدوث اضطرابات في الهرمونات المنظمة للنمو والجهاز الهضمي ومشاكل صحية بما في ذلك قرحة المعدة والإسهال وقرحة القولون واضطرابات النظام الأيوني بالجسم.
ويُسهم الغش باستخدام فوق أوكسيد الهيدروجين إلى حدوث إضطرابات بنظام مضادات الأكسدة في الجسم؛ ونظام المناعة الطبيعية وبالتالي الشعور المبكر بالشيخوخة.
ويَحدث اختلال التوازن الحمضي القاعدي ودرجة الأس الهيدروجيني أي حموضة الدم في الجسم نتيجة لزيادة نسبة الكلوريد في اللبن، ومن تأثيرات زيادة نسبة الكلور أنه يسبب انسدادًا في الشرايين، ومشاكل في القلب، إختلال في التوازن الحمضي القاعدي في الجسم، والتأثيرعلى درجة حموضة الدم.
كما أن إضافة الأمونيا إلى اللبن قد يسبب تراجع المناعة المكتسبة ومشاكل في الكلى واضطرابات حسية.
يسبب وجود الفورمالين الإصابة بالقيء والإسهال وآلام البطن، كما أنه يؤثر على العصب البصري وقد ينتهي الأمر لفقد البصر، كما أنه من مسببات الإصابة بالسرطان. وينتج عن غش اللبن بإضافة حمض البوريك الإصابة بالغثيان والقيء والإسهال وتلف الكلى والفشل الحاد في الدورة الدموية وقد ينتهي بالوفاة،
ولغش اللبن باستخدام حمض البنزويك آثارًا جانبية مثل الربو، والتشنجات لدى الأشخاص ذوي الحساسية. وينتج عن زيادة استخدام اليوريا في غش اللبن أضرارا صحية، حيث أن وجودها يمثل عبئا على الكلى واحتياجها لمزيد من الجهد لتخلص الجسم منه.
وتؤدي زيادة استخدام النشا وكل من دقيق القمح ودقيق الأرز كوسيلة غش في اللبن لحدوث إسهال نتيجة وجود الجزء غير المهضوم منها في القولون. وتسهم إضافة السكر وكل من الزيوت النباتية، مثل زيت النخيل أو زيت فول الصويا، إلى اللبن لتقليل جودته.
ولاستخدام الفورمالين (محلول الفورمالدهيد) في غش اللبن كمادة حافظة أضرار صحية تؤدي للإصابة بالسرطان.
ويسبب غش اللبن بإضافة المنظفات مضاعفات معدية ومعوية للإنسان.
ومن تأثيرات استخدام ماء الأكسيجين كمادة حافظة أنه يسبب التهاب المعدة والأمعاء، ويؤثر على نظام مضادات الأكسدة والذي يضعف بدوره المناعة الطبيعية والتي تسرع من الشعور بالشيخوخة المبكرة.
ويسهم استخدام الصودا الكاوية في ارتفاع مستوى اللبن من الصوديوم عن الحدود الطبيعية ويمثل ذلك سُماّ بطيئا لمرضى ضغط الدم المرتفع ومصابي أمراض القلب. وتفيد أحد الأدبيات أن الغش باستخدام الصودا الكاوية يسهم في تقليل استفادة الجسم من الحامض الأميني الضروري لنمو الأطفال (الليسين).
وتسبب المواد المستخدمة في غش اللبن عدم الراحة في الجهاز الهضمي والانتفاخ والإسهال. قد يؤدي التعرض الطويل لهذه المواد إلى تلف الأعضاء ومشاكل صحية خطيرة أخرى.
يمكن أن تؤدي ممارسات المناولة والتخزين السيئة أثناء غش الحليب إلى التلوث الميكروبي، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالغذاء.
يمكن أن يؤدي الاستهلاك المنتظم للحليب المغشوش إلى مشاكل صحية مزمنة، بما في ذلك اضطرابات الجهاز الهضمي، وتلف الكلى، وخلل في وظائف الكبد، وضعف وظائف المناعة.
خطر الإصابة بالسرطان: بعض المواد المغشوشة، مثل الفورمالين، مسببة للسرطان وترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان عند استهلاكها بمرور الوقت.
وما من شك في أن الدولة المصرية لم تدخر جهدا لأجل تحسين الإنتاجية كمّا ونوعا منذ ستينيات القرن الماضي حيث باكورة مشروع مراكز تجميع الألبان على مستوى القرى والوحدات المحلية. وتطور الأمر في مصر الحديثة وعلى ذات الأساس بغرض إنتاج لبن آمن، غير أن الأمر – ولحد كبير – يراوح مكانه حيث تدني ثقافة قطاع صغار التجار والمزارعين وخاصة تلك المرتبطة بمفهوم النظافة والمعروف " تدني مستوى الهايجين" .
ويمثل تعدُّد الوسطاء في سلسلة الإنتاج أحد أخطر التحديات لإنتاج وصناعة الألبان في مصر. وتزداد خطورة الأمر في فصل الصيف حيث ارتفاع درجات الحرارة وعدم توافر وسائل التبريد خلال سلسلة الإنتاج من المزرعة إلى المصنع، وليس هذا فحسب بل ويمثل انتشار أماكن الإنتاج غير المرخصة تحديا لكل من جهات إنفاذ القانون والمستهلكين على حد سواء.
وتظل عملية غش اللبن مصدر قلق كبير في مختلف أنحاء العالم لكل من المستهلكين والجهات الرسمية، رغم ماتقوم به الحكومات والسلطات التنظيمية في العديد من البلدان لمكافحة عمليات غش اللبن من خلال المراقبة المنتظمة وإنفاذ معايير الجودة وحملات التوعية العامة تحت مظلة ماتصدره من التشريعات والقوانين. وينبغي في هذا السياق إدراك أن البيانات المتعلقة بغش اللبن قد تختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى، وقد نتغير أساليب الغش بمرور الوقت.
ومن الموصى به ، أنه حال الشك في وجود غش في اللبن الذي تستهلكه أو مخاوف بشأنه، فمن الضروري الحرص على الشراء من مصادر وعلامات تجارية موثوقة تتوافق مع لوائح سلامة الغذاء. ويسهم التخزين السليم والتعامل السليم مع اللبن في المنزل في الحفاظ على جودته وسلامته. وتتطلب السيطرة على منع غش اللبن جهدًا جماعيًا من مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك السلطات الحكومية، وسلطات إنفاذ القانون والجهات الفاعلة في صناعة الألبان، والمستهلكين، والهيئات التنظيمية.
ومن أبرز ما يمكن اتباعه للحد من تأثيرات غش اللبن ومنتجاته: تطبيق تدابير صارمة لمراقبة الجودة فيما يخص عمليات التفتيش والإختبار المنتظم للكشف عن حالات الغش وتعميم نتائجها في الميديا، التوعية العامة والتثقيف بشكل مبسط للمستهلكين من خلال حملات التوعية العامة والبرامج المرئية بالتركيز على المخاطر الناتجة عن استخدام اللبن المغشوش ومنتجاته، توفير وتشجيع استخدام التقنيات الحديثة والبسيطة والسريعة في إجراء اختبارات الغش، وبما يُسهم ويعزز القدرة على تحديد المواد المُلوثة في اللبن بشكل أكثر فعالية.
ويمثل تطبيق العقوبات القانونية بشكل صارم ضد المتورطين في غش اللبن أسلوبا رادعا؛ توعية وتشجيع المستهلكين على الشراء من المصادر ذات الموثوقية ويُسهم ذلك في الحد من مخاطر الغش؛ ويسهم تقديم الدعم والحوافز لمزارعي الألبان في تحسين سبل عيشهم وتقليل إغراء الانخراط في ممارسات الغش،
وتلعب أنظمة وسياسة التتبع من الجهات الرقابية والمنظمات ذات الصلة بسلامة الغذاء وأمنه إن وجدت دورا حاسما في تتبع اللبن من المزرعة إلى المائدة وذلك بما يضمن الشفافية والمساءلة طوال سلسلة التوريد. وفي النهاية قد يلعب تشجيع وتحفيز اتباع سياسة التحفيز الذاتي لدى المستهلكين على إجراء اختبارات الغش البسيطة في المنزل للتحقق من الغش في الكشف المبكر. وربما يسهم تخصيص جوائز للتميز في مجال إنتاج وتصنيع الألبان في الدفع قدما نحو تحقيق الأمل في توفير كوب لبن جيد وآمن.
ليست هناك تعليقات