الإعلام العربي في مفترق التحول: رؤية استراتيجية مع البروفيسور تركي بن عبيد

 كتبت د أماني شوقي 




– في خضم الثورة الرقمية التي يقودها الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة، تبرز الحاجة الملحة لإعادة تقييم دور الإعلام في صياغة مستقبل المجتمعات. ضمن هذا السياق الحيوي، أجرى الدكتور جيهان سباق، أستاذ الإعلام الرقمي المشارك، حوارًا معمقًا مع قامة فكرية ودبلوماسية بارزة: البروفيسور تركي بن عبد المحسن بن عبيد، رئيس الهيئة الدبلوماسية الإفريقية الخليجية في الأمم المتحدة، وعضو اللجنة الإشرافية العليا والمتحدث الرئيسي في المؤتمر الدولي البيني الثاني "الإعلام والاتصال في العصر الذكي 2025" الذي تنظمه جامعة أكاديميون العالمية.


تحولات جذرية في المشهد الإعلامي

يرى البروفيسور تركي بن عبيد، الذي يجمع ببراعة بين الرؤية الأكاديمية والخبرة الدبلوماسية، أن المؤتمر يأتي في توقيت بالغ الأهمية. فالتأثير المتسارع للذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل معايير العمل الإعلامي، من إنتاج الأخبار وتحليل البيانات إلى تخصيص المحتوى، مما يغير العلاقة بين الجمهور والمعلومة. وشدد على أن المؤتمر يركز على الذكاء الاصطناعي والميتافيرس باعتبارهما المحور الأبرز للتحولات التقنية التي تمس بنية الإعلام، أدواته، بل وحتى مصداقيته.


الإعلام شريك في التنمية والسلام

لم يقتصر الحوار على الجانب التقني، بل امتد ليلامس دور الإعلام في التنمية المستدامة. وأوضح البروفيسور عبيد أن الإعلام يُعد شريكًا رئيسيًا في تحقيق أهداف التنمية من خلال رفع الوعي الشعبي بالمبادرات، ومراقبة الأداء الحكومي، ودفع عجلة التغيير الاجتماعي. وأكد على دور الإعلام في دعم الابتكار عبر الترويج للحلول الرقمية الذكية، وتبني المبادرات التنموية بين دول الجنوب.


كما تطرق البروفيسور إلى دور الإعلام كأداة قوية لبناء السلام ودعم الحوار بين الثقافات، وتقديم روايات إيجابية عن الدول وتاريخها وقيمها. وشدد على قدرة الإعلام على التصدي للتضليل والتطرف من خلال نشر روايات بديلة تتسم بالمسؤولية والمصداقية.


واقع الإعلام العربي والدبلوماسية الإعلامية

وعند الحديث عن واقع الإعلام العربي في عصر التحول الرقمي، أشار البروفيسور تركي إلى التباين الملحوظ بين الدول. فبينما حققت بعض الدول الخليجية تقدمًا لافتًا في تبني التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لا تزال دول عربية أخرى تواجه تحديات كبيرة تتعلق بضعف البنية التحتية وغياب التشريعات المنظمة، مما يُعيق تطور الإعلام فيها.


وأكد على أن العلاقة بين الإعلام والتكنولوجيا هي علاقة تكامل مشروطة بالاستخدام الأخلاقي والمسؤول. فالذكاء الاصطناعي، رغم إمكاناته الهائلة في إثراء العمل الإعلامي، قد يتحول إلى تهديد خطير في غياب الرقابة والتشريعات الواضحة وتنمية الوعي المجتمعي.


مهارات المستقبل للإعلاميين الشباب

وفي رؤية استشرافية، نوه البروفيسور عبيد إلى أهمية امتلاك الإعلاميين الشباب لمهارات جديدة وحيوية. أبرز هذه المهارات تشمل فهم الذكاء الاصطناعي، والقدرة على إنتاج محتوى تفاعلي، والتحقق الدقيق من الأخبار، وتعزيز الوعي بالأمن الرقمي. ودعا المؤسسات الأكاديمية إلى ضرورة تحديث مناهجها بشكل مستمر لتأهيل جيل من الإعلاميين القادرين على مواكبة التغيرات العالمية وصناعة محتوى مؤثر ومسؤول.


وفي ختام الحوار، وجه البروفيسور تركي بن عبيد رسالة للإعلاميين المشاركين في المؤتمر، داعيًا إياهم إلى اغتنام هذه الفرصة الثمينة لتبادل الأفكار والخبرات، وتطوير مهاراتهم، والتعاون المثمر في إنتاج محتوى إعلامي يعزز من مسيرة التنمية والسلام، ويرسم صورة مشرقة للعالمين العربي والإفريقي.


يُذكر أن البروفيسور تركي بن عبد المحسن بن عبيد هو أستاذ جامعي وأكاديمي سعودي مرموق، يشغل منصب رئيس الهيئة الدبلوماسية الإفريقية الخليجية للأمم المتحدة، وعضو استشاري في عدة مجالس علمية وإعلامية دولية، وهو حاصل على عضويات أكاديمية من جامعتي أكسفورد وهارفرد. يأتي هذا الحوار ضمن سلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى تقديم رؤى استراتيجية حول التحولات الإعلامية في العالم الرقمي بمشاركة شخصيات دولية مؤثرة.

ليست هناك تعليقات