الزعتر: القيمة والدلالة
بقلم . الدكتور محمود محمود هويدى
الأستاذ المتفرغ – كلية السياحة والفنادق جامعة الفيوم
الزعتر هو نبات عشبي معمر، طبي دائم الخضرة، ينتمي إلى العائلة الشفوية Lamiaceae والتي تسمي بالعائلة النعناعية. موطنه الأصلي هو منطقة حوض البحر المتوسط (أوراسيا وشمال أفريقيا). كما أنه يُفضل المناطق الجافة، مع وفرة من أشعة الشمس، حيث يُزرع في العديد من الدول والمناطق متنوعة المناخات بما في ذلك أوروبا وشمال أفريقيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا؛ ويصل عمره في بعض الولايات الأمريكية من 5 إلى مايزيد على 9 سنوات. يُعرف الزعتر بالعديد من الأسماء علي حسب الإستخدام والمنطقة مثل: زعتر الحدائق، الزعتر الشائع، الزعتر المدلفن، أم الزعتر، الزعتر الإنجليزي، الزعتر الفرنسي، الزعتر الألماني، الزعتر الشتوي، عشبة السعال الديكي، الأوريجانو، وباي لي شيانغ (الطب الصيني التقليدي).
يوجد منه أكثر من 100 نوع وتصنيف معروف، أهم الأنواع الزعتر البري و الزعتر الشائع Thymus vulgaris. ومن الأصناف المتعارف عليها الزعتر الوردي الزاحف، والزعتر الليموني، وزعتر جوز الهند، وزعتر الكراوية، زعتر اللافندر، وتنتشر زراعة الأصناف في المغرب، وأيبيريا وأسبانيا والبرتغال وإيطاليا. يعتبر الزعتر غطاء أرضي في الحدائق المنزلية، مُوفر للماء حيث النوع الذي ينمو أفقيا، فضلا عن أنه من أسهل الأعشاب نموًا؛ وتُضفي الأنواع المتدلية منه رائحةً وملمسًا مميزًا على أرجاء الحديقة. ويُزهر زعتر جوز الهند في منتصف الصيف لفترة تصل حوالي 8 أسابيع. وفي الواقع، يتميز زعتر الكراوية بجاذبية إضافية تتمثل في سيقانه الحمراء؛ وتستخدم في الطهي، ويمكن استخدامه كبديل للكراوية الحقيقية في أي وصفة. تُعتبر هذه العشبة لذيذة بشكل خاص عند استخدامها في الخبز أو طهيها مع اللحوم، ويشير اسمها العلمي "هيربا بارونا" إلى العصور الوسطى عندما كانت الأعشاب تُستخدم بكثرة لتتبيل اللحوم التي مضى على تاريخ صلاحيتها بعض الوقت. وزعتر اللافندر نباتٌ مألوفٌ ذو رائحةٍ زكيةٍ تفوح منها رائحة اللافندر؛ أوراقه بلون الكرفس الطازج الزاهي ويزرع في أوعية.
يمثل محتوى الزيت العطري أقل من 1% في المادة الجافة، وتتعدد مكوناته الكيميائية غير أن أبرزها يتمثل في: زيت طيار (ثيمول، كارفاكرول)، فلافونويدات (أبيجينين، لوتيولين، ثيمونين، نارينجين)، أحماض (حمض لابياتيك، حمض الكافيين، حمض الأولينوليك، وحمض التريتربينيك)، التربينويدات الهيدروكربونية (البورنيول، واللينالول)، تانينات، والسابونين. ويتأثر التركيب الكيميائي للنبات، بالموقع الجغرافي والعوامل المناخية والتي تدعم فوائدها الصحية واستخداماتها التقليدية في التطبيقات الطهوية والتغذوية والطبية والعطرية.
ولقد زاد الاهتمام بهذه النباتات الطبية العطرية على مر السنين. ومن الجدير بالذكر أنه تم استخدام النباتات الطبية في التاريخ القديم على نطاق واسع ولأغراض متنوعة، منها كتوابل وكعوامل علاجية في التئام الجروح واضطرابات الجهاز الهضمي والأمراض المعدية. وعلاوة على ذلك، استخدمت العديد من الحضارات القديمة، بما في ذلك الهنود وقدماء المصريون والرومان والعرب، العديد من الأعشاب بما يعكس ثقافتهم وتقاليدهم، وصاحب ذلك ظهور وجهة نظر ثيوقراطية تم اكتشافها في جميع الحضارات القديمة، مثل اليونان، والتي كانت قائمة على الملاحظة وإجراء التجارب قبل ظهور مدرسة أبقراط، واستخدمه الإغريق كبخور في معابدهم، واستخدمه الرومان في الطبخ واستخدمه اليونانيون القدماء في الحمامات وأحرقوه كـبخور في معابدهم، اعتقادًا أنه مصدر الشجاعة والقوة. وورد بأحد الأدبيات أن المصريين القدماء استخدموه في التحنيط ويعتبر ذلك من أقدم استخداماته.
ويشير السياق الثقافي والتاريخي للزعتر البري أنه عشبة غنية ولها محفظة (بورتوفولويو) دوائي متنوع، حيث أنه يمثل عنصرًا أساسيًا في العديد من المأكولات الإقليمية والممارسات الطبية، حيث استخدمت أجزائه الهوائية في الطب التقليدي، وخاصة لعلاج أمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، مما يؤكد أهميته في الطب العرقي. بالإضافة إلى ذلك، تتوافر أدلة على الأنشطة الوقائية للكبد والفوائد في إدارة متلازمة التمثيل الغذائي وقضايا صحة القلب والأوعية الدموية، مثل تنظيم التمثيل الغذائي للدهون، وخفض الكوليسترول، والتأثيرات المضادة لمرض السكري، وخافضة لضغط الدم، وتعديل المناعة.
تفيد بعض الدراسات أن الزعتر يستخدم علي نطاق واسع في صناعة الأغذية كمادة حافظة وكعامل نكهة للأغذية الدهنية وبعض المأكولات البحرية ويعتمد ذلك على عدة عوامل، بما في ذلك التركيز المستخدم، وتُنتج النباتات مواد كيميائية نباتية للدفاع عن نفسها ضد البكتيريا والفيروسات والفطريات، ولكن عند إضافتها إلى الطعام، فإنها تمنع أيضًا فساده. وفي ضوء الدراسات الحديثة التي تُشير إلى وجود اهتمام كبير باستخدام المواد الحافظة الطبيعية في الطعام لما لها من أهمية في تحسين صحة الإنسان من خلال حمايتها من الأمراض؛ زاد الطلب علي إنتاجية نبات الزعتر.
بالإضافة الي استخدامه في صناعة الأدوية؛ فتسهم المواد الكيميائية النباتية غير المتطايرة، وفي المقام الأول كل من الأحماض الفينولية، والفلافونويدات، والتربينويدات الثنائية والثلاثية، بشكل كبير كمطهر، مضاد للتشنج، مضاد للميكروبات، مضاد للأكسدة، مضاد للسعال، مضاد للفيروسات، مضاد للبكتيريا، قابض، مهدئ للأعصاب، طارد للريح، مدر للطمث، مدر للعرق، مدر للبول، طارد للديدان، ومبيدات حشرية.
يستخدم الزعتر البري تقليديا في الطب المحلي والتقليدي، وخاصة لأمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وكان موضوعًا لأبحاث كيميائية حيوية ودراسات علمية واسعة النطاق، بما في ذلك التجارب المختبرية، وفي الجسم الحي، وبعض التجارب السريرية. وقد أكدت هذه الدراسات فوائدها المضادة للالتهابات، وحماية الكبد، وأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك دورها في إدارة وعلاج متلازمة التمثيل الغذائي. ومن الأهمية بمكان تجربة سريرية بشرية حديثة أثبتت فعالية الزعتر البري في تحسين أعراض الجهاز الهضمي وصحة الأمعاء بشكل عام، وهو الاكتشاف الذي يبني على فوائده الوقائية التي تم إثباتها سابقًا.
وحظي الزعتر بقدر لابأس به في مصر، حيث العديد من الدراسات والأبحاث التي تضمنت نظم زراعته وفوائده الصحية واستخداماته المختلفة، كما وتوجد دراسات حول الزعتر السيناوي، والذي يُعتبر قصة نجاح في مجال الزراعات العطرية والطبية في مصر. ومع ذلك فالحاجة ملحة لرفع الوعي بفوائد زراعة الزعتر خصوصا في ضوء الطلب المتزايد عليه محليا ودوليا في الصناعات الغذائية والدوائية والتجميلية. وينبغي التركيز على الأهمية الإقتصادية لزراعته لتعدد استخداماته وسهولة زراعته وصيانته بشرط اتباع ممارسات الزراعة الجيدة وبما يحقق المعايير الدولية ونبني استراتيجية تسويق فعالة تحقق فوائد لكل المشاركين في سلسلة الإنتاج.
وعلى الرغم من النتائج الواعدة، هناك حاجة إلى تجارب سريرية مصممة بشكل أكثر صرامة باستخدام الزعتر البري الذي يتميز بخواصه الكيميائية النباتية. وتسلط دراسة خصائص الزعتر البري الصحية الغذائية والوقائية والأنشطة الدوائية الضوء على الدور الحالي للزعتر البري في التغذية والرعاية الصحية العامة بالإضافة إلى إمكاناته المستقبلية.

ليست هناك تعليقات