لمحات ووقفات مع شهر شعبان المبارك

 



بقلم :محمد مصطفى صالح سيد 

باحث ماجستير إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

اللمحة الأولى:جعل الله شهر شعبان بمثابة الختام لأعمال السنة، ففيه ترفع أعمال السنة

 عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (. . . . . . هُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ). () 

وقفة تربوية: شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟

إنها لحظة حاسمة في تاريخ المرء، حين تصعد الملائكة بحصاد عامه كله، لتعرض هذه الأعمال على الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}()

فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة لله وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل واجتهاد وتضحية، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وضعف همة وقلة بذل وإعراض عن الله؟. . . . . . . راجع نفسك – أخي المسلم - وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى الله في شهر رفع الأعمال، واعلم أن (اللهَ تعالى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا). ()

اللمحة الثانية - خصَّه النبيُّ ﷺ بمزيد صيام واجتهاد

عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قالت: كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺأَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ. ()

وقفة تربوية: هل تُحب ما أحبَّ رسول الله ﷺ ، وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجَدَه النبي ﷺ إنه الاختبار العملي والمعيار الحقيقي لمحبة النبي ﷺحين ترى نفسك تحب ما يحب الله ورسوله وتشتاق إلى ما يشتاق إليه وتحذو حذوه وتسير على دربه.

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺاسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. ()

وفي لفظ: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا. ()

اللمحة الثالثة - خصه اللهُ بليلةٍ كريمة يطَّلعُ الله فيها على عباده فيغفر لكل موحِّد غير حاقد ولا مشاحن

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ). ()

وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (يَطْلُعُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ). ()

وقفة  تربوية: ليلة النصف من شعبان فرصة عظيمة

- لكل مخطئ ومقصر في حق الله لأن يعود ويُنيب {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}()

- وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ()

 قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ مَن بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة. ()

 - وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، أن يحسن الظنَّ بربه العظيم، الذي لا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره مهما كان هذا الذنب، لذلك نادى على عباده قائلا {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} () 

وفَتَحَ لهم أبواب رحمته ورجاءه فقال: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً). ()

ليست هناك تعليقات