سلامة الغذاء - الحاضر الغائب: من أين وإلى أين؟

 


بقلم د . محمود  هويدى أستاذ متفرغ .جامعة الفيوم


  الأمن الغذائي وسلامة الأغذية هما من الحقوق الأساسية للإنسان  ، هذا ما أعلنه  شو دونيو، المدير العام لمظمة الأغذية والزراعة في اليوم العالمي لسلامة الأغذية منذ عام 2020. وتنص الرؤية الإستراتيجية للمنظمة العالمية للصحة على أن "الأغذية السليمة حق لجميع الناس في جميع الأوقات". وتمثل سلامة الغذاء في ضوء ذلك مشكلة متعددة الأبعاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فضلا عن أنها عنصرًا أساسيًّا من مرتكزات الصحة العامة، بل وهي الهَمُّ الجسام لارتباطها بصحة المواطنين وإنتاجيتهم.

وتُعرَّف سلامة الأغذية بأنها "الضمانة ألَّا تُلحق الأغذية الضرر بالمستهلك خلال تحضيرها و/أو تناولها وفقًا لوجهة استخدامها المتوخاة". ولاشك أن الغذاء الآمن شرطاً أساسيًا للغذاء الصحي، كما ويُسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الإقتصادية، ويلعبان معا دورًا فاعلًا في التنمية المستدامة. ومن أبرز فوائد تحقيق سلامة الغذ: الحد من انعدام السلام الغذائي، الحد من عبء الأمراض المنقولة بالأغذية المُلوَّثة، تحسين ثقة المستهلك والتي تُسهم بدورها في تحسين التنمية البشرية، تحسين كمية مدخلات المُغذِّيات وتقليل الهدر في الأغذية. وباستطاعة الأنظمة المتعلّقة بسلامة الأغذية أن تُقلل من الفاقد والمُهْدر عبر اتخاذ تدابير تمنع تلف الأغذية أو تلوثها، أو من خلال تشجيع التقنيات التي تطيل فترة التخزين السليم. ومن الجدير بالذكر أن سلامة الأغذية لاتتحقق من تلقاء نفسها، بل إنها نِتاج عمليات مكثفة من البحث والتدوين ورسم السياسات ونشر الثقافة الصحيحة.



الصحيحة.

ويُلحق الغذاء غير الآمن ضررًا ملموسًا بصحة المستهلك، ويمثل مصدرًا للعديد من الأمراض المنقولة والتي تمثل بدورها عبئا اقتصاديا على كاهل الأسرة والدولة حيث تكاليف العلاج والتعطُّل عن العمل والحالة النفسية. ومن الجدير بالذكر أن الغذاء الملوث بالبكتريا، أو الفيروس، أو الطفيليات، أو بالمواد الكيميائية خاصة المعادن الثقيلة، ينقل للإنسان أكثر من 200 مرضًا يمتد طيفها من الإسهال للسرطان.  

وتسهم الأغذية غير الآمنة في إصابة مايقدر بحوالي 600 مليون إنسان بالأمراض المنقولة بالإضافة لوفاة 420,000 إنسانا سنويا، منها 143,000 من الأطفال دون سن الخامسة،  وفقدان 33 مليون سنة من سنوات العمر في ظل التمتع بأنماط عيش صحية. وتلحق هذه الأمراض أشد أضرارها بالبلدان المنخفضة الدخل وتلك المتوسطة الدخل وتكبدها تكاليف تقدر بحوالي 110 مليار دولار أمريكي تتخذ شكل خسائر في الإنتاجية


وأخرى في مجال التجارة وتكاليف علاج الإعتلالات الناتجة عن استهلاك أطعمة غير مأمونة. ليس هذا فحسب، ولكن تُسهم حالات التلوث في تقليص ثقة المستهلكين مما يترتب عليه زيادة الهدر في الأغذية، والتي تمثل بدورها مصدرًا للتلوث البيئي من خلال زيادة معدلات انبعاثات الكربون. 

وتركّز الأولويات الاستراتيجية على بناء حوكمة أقوى وأكثر اتساقًا على المستوى العالمي والوطني والإقليمي لسلامة الأغذية وجودتها. ومن الضروري أيضًا وجود قاعدة أدلّة علمية أكثر متانة لاتخاذ قرارات أقوى، على غرار الأطر القانونية والمؤسساتية التي تدعم آليات وطنية فعالة ومحدّثة للرقابة على الأغذية



في ضوء ذلك حرصت مصر على إصدار القانون رقم 1 للعام 2017 بإنشاء الهيئة القومية لسلامة الغذاء لتحمل مسئولية جسيمة على عاتقها فيما يخص سلامة الغذاء من مصادره الأولية وحتى استهلاكه. ويتطلب نجاحها التعاون التام بين كافة الأطراف المسئولة عن إمداد الغذاء زراعةً وحصادًا ونقلاً وتخزيناً وتصنيعاً وإعداداً وخدمةً واستهلاكاُ في ضوء تشريعات واضحة وقابلة للتطبيق من خلال مختصين مؤهلين. ولعل التحدي الأكبر لتطبيق ذلك: البعد الثقافي لسلامة الغذاء بين جميع المستويات المرصودة  وفي مقدمتها المستهلك، وضعف الإستثمار – إن لم يكن انعدامه -  في هذا المجال الحيوي



المستهلك، وضعف الإستثمار – إن لم يكن انعدامه -  في هذا المجال الحيوي.  

وتتضمن مجالات الإطار الاستراتيجي لمظمة الأغذية والزراعة الدولية 2022 – 2031 كل من المرتكزات التالية: إنتاج أفضل من خلال الإبتكار لتحقيق الإنتاج الزراعي المستدام؛ تغذية أفضل لخلق أنماط عذائية صحية للجميع، وتوفير الأغذية للفئات الأضعف؛ بيئة أفضل حيث نظم زراعية وغذائية مكيقة مع تغير المناخ والتخفيف من حدة تأثيراته؛ ونحقيق الصحة الواحدة؛ وأغذية آمنة وعالية الجودة للجميع.  ويشكل توفير الأغذية الآمنة أحد أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 والتي وضعتها الأمم المتحدة، بل هي أساس رؤيتها، وهي لتحقيق الهدف رقم 2 "القضاء على الجوع" وغيره من الأهداف والمقاصد ذات الصلة.  

ومن الضروري في هذا السياق الإشارة إلى أحد أهم مصادر توفير الغذاء ألا وهو "الأغذية التي تباع في الشوارع". وفضلا عن أنها لا تُسهم دائمًا في الأنماط الغذائية الصحية بين مستهلكي الأغذية من الفقراء في المناطق الحضرية وشبه الحضرية، فيمثل ضمان سلامتها وجودتها التغذوية بعدا حاسما ومُؤثرا على الصحة العامة، خاصة وأنها تجارة أغذية غير نظامية تُستهلك من قبل مايقدر بنحو 2.5 مليارات شخص في جميع أنحاء العالم كل يوم.


ويؤدي الباعة الجوالين دورًا رئيسيًا في توفير الأغذية لأكثر السكان ضعفًا في البلدان المنخفضة الدخل في أفريقيا وآسيا، ولا سيما في المناطق الحضرية.  وهناك العديد من الفجوات التنظيمية وفي البنية التحتية على طول سلسلة إمدادات الأغذية التي تباع في الشوارع، ولدى العديد من الباعة الجوالين هياكل مؤقتة مع عدم وجود مياه جارية أو تخزين بارد ومرافق للصرف الصحي. وتشمل إجراءات سلامة الأغذية المهمة ضمان إمداد المياه بجودة مقبولة لتجهيز الأغذية، وأماكن نظيفة لإعداد واستهلاك الأغذية، ومرافق صحية للعاملين في منافذ بيع الأغذية، وتدريب الباعة الجوالين وتثقيف المستهلكين. ويجب أن يكون هناك أيضًا تدخلات على المستويين الوطني والمحلي لضمان الجودة الغذائية للأغذية التي تباع في الشوارع في كل حالة محلية. 

ولضمان توفير الأغذية والمغذيات الآمنة، يؤدي التنظيم والاستثمار المناسبين في إعادة تأهيل وتجديد الأسواق وسلاسل إمداد الغذاء دورًا مهمًا في تعزيز سلامتها وجودتها، وتحسين الصحة، وتعزيز الأمن الغذائي، وتقوية الاقتصاد. وتُعد أسواق الأغذية وسلاسل إمدادها أطر مثالية لإشراك أصحاب المصلحة مثل (البائعين والسلطات المحلية) والجمهور لإبلاغ المستهلكين بتفشي الأمراض وتعزيز الصحة العامة  (بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالتغذية).

وفي نهاية هذا المقال: نطرح سؤالا: هل يجعل تغيّر المناخ أغذيتنا أقل أمنًا؟ وماذا عن التقنيات الحديثة؟ يتم الإجابة على هذا السؤال في المقال القادم بإذن الله.

ليست هناك تعليقات