الرفق بالحيوان

 



بقلم عبد الفتاح موسى 

في كتاب اللغة العربية أيام الطفولة اتذكر درساً جميلاً يحثنا علي الرفق بالحيوان مستشهداً في ذلك بحديث عن الرسول صلي الله عليه وسلم 'عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه. قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ: "في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ متفقٌ عليه.

‏‎‏‎وفي رواية للبخاري: فَشَكَر اللَّه لهُ فَغَفَرَ لَه، فَأدْخَلَه الْجنَّةَ.

‏‎‏‎

‏‎وحين كنت طفلً لم أستوعب من الحديث غير أنه يحث علي الرفق بالحيوان ومساعدته، ومرت الأيام وراودني سؤال حيث بدت الأشياء تُري بشكل أعمق بعيداً عن براءة الطفولة وسذاجة الفكر ألا وهو

‏‎هل هذا الرجل دخل الجنة لمجرد انه سقي الكلب؟ أم هناك شيئ اعظم وأعمق والذي من أجله دخل الرجل الجنة ؟

‏‎مما لا مجال للشك فيه أن ما فعله الرجل كان أمراً عظيماً جداً وأن الرفق بالحيوان أمر كان صلي الله عليه وسلم حريصاً علي نقله ليعلمنا إياه وينعم علينا بإتباعه. 


‏‎ولكن لهذه الصورة وجهاً أشد عمقاً وأثراً في النفس وهو "الرحمة" يا عزيزي كلمة تبدو بسيطة ولكنها تلخص في ثناياها كل المعاني الإنسانية ألا وهي أن الراحمون يرحمهم الله فهذا الرجل رق قلبه ليسقي الكلب ليس طلباً أي شيئ إلا رحمةً بالكلب كمخلوق ضعيف لا يقوي علي فعل شيئ ولأن الله هو الرحمن الرحيم نظر بعين الرحمة إلى هذا العبد الفقير إلي رحمته كباقي العباد فأكرمه وغفل عن سيئاته وغفر له وأدخله عز وجل الجنة.  


‏‎والموعظة الحسنة من هذا الأمر البسيط الذي أدي بصاحبة ان يدخل الجنة وهو ما نتمناه جميعاً هو ماذا إذا عمت الرحمة بيننا بشكل عام ماذا إذا تراحمنا ؟

‏‎دعنا نتخيل نحن بني البشر إذا اتخذنا الرحمة منهجاً وسلوكاً بيننا أي كل منا يرحم الآخر مثلاً: تعامل  زوجتك باللين والرحمة وترحم أبنائك ومن ثم وأنت ذاهباً إلي عملك تصفي ذهنك ونواياك تراحماً بزملائك 

‏‎ملتمساً لهم الأعذار  علي أية أخطاء قد تبدر منهم كي يعاملوك بالمثل، كيف سيبدو العالم من حولنا وكيف ستتحسن العلاقات وكيف سننجو من الكثير مما نعاني منه وألف كيف وكيف كفيلة أن تغير الحال إلي أفضله من لا يَرحم لا يُرحم.


‏‎ولذلك يا عزيزي بعد أعوام كثيرة وبعد ان أصبحت انظر الى القصة بشكل اكثر عمقا تعلمت انه يجب علىّ أن أعامل الناس كما أحب أن يعاملني الله، فإذا طلبت رحمته عز وجل رحمت من حولي و إذا طلبت المغفرة غفرت لهم .  فالرحمة والمغفرة والسماح والقلوب الطاهرة تجعلنا نعيش حقا في جنة على الارض وتمهد لنا الطريق لجنة الخلد في دار البقاء.


‏‎كما نعلم جميعاً إذا كانت الارض تسع الناس جميعاً بكل أحوالهم فلماذا لا تسعهم رحماء ببعضهم البعض. وبنفس المعني تتسع الجنة لتحتوي أهل الأرض جميعاً إذا تراحموا وأحسنوا ولا تنفذ بل علي العكس  سيتضاعف أهلها برحمة الله وإحسانه ولندرك قبل فوات الأوان انه ليس فقط بالعبادات والذكر ندخل الجنة بل بحسن المعاملة والتراحم فيما بيننا وإن في الجنة من كانوا يفعلون الخير فأحبهم الله فرحمهم و غفر لهم وأدخلهم الجنة

ليست هناك تعليقات