(إن الدين عند الله الاسلام
-1-
من باب استكمال الصورة ، واكتمال إدراك الحقيقة ، في القضية التي نعرض لها ، في هذه السطور ، رأيت أن أعرض في مقال اليوم ، موقف الإسلام من الناحية الواقعية ، من الديانات أو الشرائع السابقة عليه .
وبما أن الإسلام هو آخر الاديان السماوية ، فإنه لابد أن يكون له موقف من هذه الاديان ومن اتباعها ؟
ولقد سبق أن عرضنا موقف الإسلام من الناحية النظرية ،وبقي أن نعرض موقفه من الناحية العملية ، إذ الفائدة هنا أشد حاجة ، كما انها امتداد للموقف النظري بطبيعة الحال
واذا حاولنا أن نتصور الموقف العملي للاسلام ، فإننا نراه لايخرج عن ثلاثة تصورات :
الاول : ان يلتزم الصمت والسكوت والاعراض من باب ترك الأمر الواقع علي ماهو عليه
الثاني : ان يدخل الإسلام في حوار عقائدى يستهدف به دعوة
اتباع هذه الديانات الي الدخول في الإسلام وترك ماهم عليه علي نحو ماورد في سورة آل عمران ، من اول قوله تعالي :
(قل ياأهل الكتاب تعالوا الي كلمة سواء ...الآية ٦٤
الي قوله تعالي :(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) الايه ٨٥
الثالث :ان يقف موقف المحارب المقاتل حتي يقضي علي هذه الديانات واتباعها
ولتقييم هذه التصورات ، فإننا نقرر بيقين أن كلا من التصورين الأول والثالث بعيد تماما عن منهج الإسلام
فالاسلام ليس دينا منكفئا علي نفسه او لايعنيه امر البشر ،سعدوا ام شقوا ، نجوا أم هلكوا ، فالدعوة الي الإسلام موجهة لكل البشر وهي مستمرة الي قيام الساعة ، وجوهر الإسلام هو الدعوة الي العمل الصالح الذي ينفع جميع البشر وينفع الحياة
يقول الله تعالي :
(ومن أحسن قولا ممن دعا الي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)
ويقول :
(أن الإنسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
وفي الوقت نفسه ، فالاسلام ليس متعطشا الي العنف وسفك الدماء وغير ذلك مما تامر به غرائز الانسان ، وليس تواقا الي أن يفرض نفسه علي الآخرين حتي يكون هو الديانة العالمية الوحيدة ، ونبي الاسلام كما يقول د.دراز هو أول من يعرف ان كل محاولة لفرض ديانة عالمية وحيدة هي محاولة فاشلة ، بل هي مقاومة لسنة الوجود ، ومعاندة لارادة رب العالمين ، وهذا ماعبرت عنه بوضوح آيات القران الكريم :
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين ، الامن رحم ربك ولذلك خلقهم )اي للاختلاف خلقهم
(ومااكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )
(انك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
وليس هذا فقط ، بل أنه يقرر قاعدة من أعظم القواعد في تاريخ البشرية ، وهي قاعدة حرية العقيدة المستنبطة من الآية الكريمة
(لا اكراه في الدين )
-2-
اما التصور الثاني فهو التصور الذي ارتضاه الإسلام اسلوبا ومنهجا
لانه التصور الذي ينسجم مع القيم العليا التي دعا إليها ، مثل قيمة العدل والحرية والكرامةوالاخوة الانسانية ، فكل هذه القيم جاءت لصالح الانسانية وليس لصالح دين بذاته
ومن ثم دعا إليها الإسلام لما فيها من احترام حق جميع البشر في الحياة الحرة الكريمة، وبعد عن العنصرية والتعصب اللذين يعدان عدوانا علي الانسانية في ذاتها قبل أن يكون عدوانا علي دين بعينه ، أو قوم بعينهم ..
وبهذا الاسلوب (الحوار وضبط النفس) ارشد الإسلام البشرية كلها الي اسلوب حضاري في حل المنازعات وإزالة الخصومات وإنهاء الصراعات ، لانه اسلوب عقلاتي يعتمد علي الحجة والبرهان والدليل ، في مقابل اسلوب آخر يعتمد علي الغرائز والرغبات التي تولد العنف و البطش وسفك الدماء من اي طرف ضد طرف اخر
ولاشك أن الانسانية تكسب كثيرا بهذا الأسلوب الراقي ، لأنها ستحمي الضعيف وتنصر المظلوم وتطعم الجائع وتقف مع المحروم وتعين علي نوائب الحق ،وتغيث الملهوف وتساعد العاجز
ايا كان مكانه واياكان اسمه واياكان لونه
ولاشك ايضا ان الانسانية تخسر كثيرا اذا اتبعت اسلوب الغرائز
لأن الغرائز لاتعرف الا البطش والقوة وسفك الدماء،وهذا مافعله الكيان الصهيوني عندما شن حرب الابادة الجماعية علي أهلنا في غزة فقال قائلهم وهويشير الي سياسة الحصار الكامل :
(لاطعام لاماء لا كهرباء لادواء )
(انهم حيوانات بشرية )
هذا هوحكم الغرائز الهائجة التي تفقد كل قدرة علي التفكير وكل قدرة علي اختيار الاسلوب المناسب لرد الفعل ، وعندما يستجيب الانسان لنداء الغريزة وحده فإن يخسر كثيرا
وهذا ماجعل بعض العقلاء في الكيان يكتب منتقدا حكومته قائلا:
لم نتعلم ضبط النفس ..ولوتفكرنا قليلا لبقيت حماس رمزا للشر المطلق .. ولبقيت إسرائيل رمزا للخير المطلق..ولكننا ضيعنا كل شيئ لأننا مارسنا رد الفعل بمنطق الغرائز لا بمنطق العقل
3-
ولم يتوقف الإسلام عند هذ الحد وإنما انتقل من مرحلة (الحوار
العقلاني ) الي مرحلة (التوصية الاخلاقية) في معاملة اصحاب العقائد الاخري (التي تربطنا بها اواصر الوحي السماوي )فضلا عن عبدة الاوثان فماذا قدم بشانهم :
(وان احد من المشركين استجارك فاجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه )
فلايكتفي بأن نؤوي المشركين ونكفل لهم الأمن وكل متطلبات الحياة في جوارنا ، وإنما أن نرشدهم الي الحق (حتي يسمع كلام الله) ثم نوفر لهم الحماية في وسيلة انتقالهم الي بلادهم حتي يصلوا الي المكان الذي كانوا يريدون الذهاب اليه
وهذه التوصية باقية الي يوم القيامة لأنها كما قلنا تنسجم مع القيم العليا للاسلام
ثم ينتقل بعد ذلك الي أفق آخر في المعاملة وهو أفق الإحسان
والبر والرحمة بغير المسلمين في قوله تعالي:
(لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين)
-4-
وفي اجمال واختصار :
أن الإسلام ابقي الخلاف العقائدي في دائرة (الحوار العقلاني)
وابقي الصراع المسلح في دائرة (الدفاع عن النفس ورد العدوان)
وابقي سائر الأمور في دائرة (العلاقات الانسانية والتعايش السلمي والمشترك الانساني)
وبذلك حافظ علي الحياة الانسانية وحافظ علي مكتسبات البشر جميعا وجعل التنافس بين البشر في مجال خدمة الانسان أينما كان وليس خدمة عنصرية دينية كانت أو غير دينية
وهذه يد الإسلام ممدودةللجميع للمؤمنين بالاديان بل ولعبدة الاوثان
وهذا صوت الإسلام يناديهم:
تعاونوا علي إقامة العدل ونشر الأمن ، وصيانة الدماء وحماية الحرمات
ومن فعل ذلك منكم فهو متبع للدين الكامل الذي ا رتضاه الله للبشر ، وهو دين الإسلام وليس اي كلمة اخري ، فلايسمي الإسلام الا باسمه الذي نزل به القران الكريم
وصدق الله العظيم :
(ان الدين عند الله الاسلام )
(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
........................
وللحديث بقية

ليست هناك تعليقات