شعبان شهر الاستعداد لشهر الخير والبركات
بقلم الإعلامي : عمر هاشم
من حكمة الله سبحانه وتعالى ومن رحمته بعباده أن جعل في أيام الدنيا أياما للبركات والنفحات ، ففيها تتضاعف الحسنات أكثر من الأيام باقي العام وتكون منحة وفرصة للمسلم ليستغلها لغفران الخطايا ورفع الدرجات عند الله عزو جل بالتقرب لله بالأعمال الصالحة .
وشهر شعبان من الشهور المباركة التي اختصها الله بالكثير من الفضل وزيادة في ثواب الأعمال الصالحة وكما قال أحد الصالحين : رمضان شهر الزرع وشعبان شهر السقي ورمضان شهر الحصاد. لما له من الفضل الكبير عند الله عزوجل ، ومن فضل شهر شعبان أنه استعداد نفسي وبدني لاستقبال شهر رمضان المبارك ، فيستحب في شعبان كثرة الصيام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً ، والمتتبع لأحوال الناجحين والفائزين في مسارات الحياة الدنيا المختلفة يجدهم يجتهدون في الإعداد والاستعداد؛ فالطالب المتفوق تجده يعد للسنة الدراسية قبل بدايتها والعدَّاء الماهر يعد للسباق قبل حينه والأمثلة في واقعنا على هذا كثيرة متنوعة. والمشاهد أن ليس كل من يُعد ينجح في الإعداد ولا كل من أّعَدَّ واستعد يصل للقمة فحتى الإعداد يختلف من شخص لآخر، وكل بحسب ما بذله من جهد وتعب تجد حصيلته تشير عليه، فما بالك بمن لم يستعد بل لم يفكر بذلك بتاتا فأنى له الفوز؟! ونحن في هذه الأيام المباركة من شعبان ينبغي علينا أن نستعد لدخول شهر رمضان لابد أن يكون لنا وقفة؛ فهو آخر محطات الاستعداد لدخول شهر العتق من النيران، شهر رمضان شهر القرآن فانظر وتأمل في طالبي الفوز بالمسابقات الدنيوية وما يبذلونـه... فما بالك بطلاب الآخرة -ولا يقارن الثرى بالثريا-... ألست أولى منهم؟! كان السلف الصالح رضي الله عنهم بعيد رمضان يدعون الله أن يتقبله منهم لستِّ أشهر ثم في الست أشهر الباقية يدعونه أن يُبلغهم رمضان القادم فانظر لمدى استشعارهم لمكانة رمضان وأيامه الغالية... فبإذن الله ما نبغيه ونستعد له هي عبادات موجودة في الأصل وليست بدعة في الدين ولكن الهدف كيف نزيد من هذه العبادات.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران: 133]. وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطففين آية: 26].
ففي شعبان ينبغي علينا أن نسارع إلى الأعمال الصالحة ونزيد منها ونتنافس فيها حتى نتعود عليها في رمضان ونزيد أكثروأكثر للفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.
يجب علينا لفتة جميلة إلى الفقراء في هذه الأيام – وما أحوجهم – إلى مزيد من العطف ومزيد من الصدقات، فمن يتصدق بشيء ينبغي أن يزيد من قيمته ومن قوته ليتناسب مع فضل هذه الأيام المباركة وحاجة الفقراء في هذه الأيام.
والصدقة ليست قاصرة على المال حتى يحتكرها الأغنياء بل على الفقراء صدقة بدون المال ولها مثل أجر المال فعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ.
وهذا من فضل الله، إذا فات الفقير الدثور والأموال فقد جعل الله له ما يعوضه من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ، وأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا عوض له ليجتهد في هذه الأشياء، ويعطيه الله من الأجور والحسنات ما يقوم مقام صدقات الأثرياء الذين عندهم الأموال، وهكذا دعوته إلى الله عز وجل وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر يقوم مقام الأموال التي يتصدق بها الأغنياء، وفي اللفظ الآخر من الحديث: ويجزي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى. يجزي من هذه الأشياء ركعتان تركعهما من الضحى تقوم مقام كل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة هذا فيه فضل الركعتين من الضحى، وأنه يستحب للمؤمن أن يصلي ركعتين من الضحى، وإن زاد صلى أربعًا أو ستًا أو ثمان أو أكثر كله خير، الضحى كله محل صلاة إلى أن تقف الشمس، مع شرعية الإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار، فكل هذا فيه صدقات، وفيه درجات للعبد، وقد يفوق بها أهل الدثور إذا كثرت تسبيحاته وذكره سبق أهل الدثور.
هذا فعلينا ان نعد سويا بعضًــا من خطط الإعداد لرمضان في أيام شعبان، ولكن قبيل البدء نَمِّي في أذهاننا حساسية الوقت وأهميته؛ فلا ندع دقيقة تفوت في شعبان إلا وقد اكتسبنا بها ما يفيد في دورة الإعداد لرمضان وبإذن الله نسير على هذا طوال العام فتصبح أيامنا جلها كثيرة الحسنات جميلة النفحات -إن شاء الله تعالى.

ليست هناك تعليقات