الاصطفاء التكويني ( 8) حتي يغيروا ما بأنفسهم
بقلم الدكتور / محمد قاسم المنسى
-1-
هذا العنوان جزء من آية كريمة ، تعد قانونا من أهم قوانين القرآن الكريم ، هي قوله تعالي :
(ان الله لا يغير ما بقوم ، حتي يغيروا ما بأنفسهم ) سورة الرعد/١١..
بين يدي ثلاثة تفسيرات ، لعلماء معاصرين ، نظر كل منهم إلي الآية من زاوية مختلفة ، وقدم لها قراءة معاصرة ، وقد عشت مع هذه القراءات فترات مختلفة من الزمن ، وجاء الأوان لأن اعرضها ثم أعقب عليها ، وان كان ذلك من الناحية المنهجية سيحدث خللا في المساحة المخصصة لكل فصل ، لكن كما يقولون :للضرورة أحكام ، وعند عرضي لهذه التفسيرات سأحاول الالتزام بلغة أصحابها قدر المستطاع ، وان عد ذلك من باب الأمانة العلمية من ناحية الا أنني اضيف إلي ذلك أنه من باب نسبة الفضل إلي أصحابه .
-2-
التفسير الاول :
الشرط المطلوب علينا (منا) في الآية الكريمة هو أن نغير مابانفسنا
مطلوب منا أن نغير الداخل (داخل النفس) ليتغير الخارج
مطلوب منا أن نعيد النظر في ترتيب جهازنا النفسي من باطن
فتتبدل دنيانا ، ليصبح ضعفنا قوة ، وتخلفنا ريادة
ونقطة البدء في هذا كله هي الإجابة عن هذا السؤال:
كيف يغير المرء مابنفسه؟
لو كانت النفس أحادية العنصر ، لما كان في الأمر اشكال ؛ إذ ماعلينا إلا أن نغير ماقد فسد من ذلك العنصر الواحد ، كما تزيل الصدأ -مثلا- عن مفتاح لم يعد قادرا علي الدوران في القفل ، فأصبح عاجزا عن السيطرة علي ذلك القفل فتحا وإغلاقا ، لكن الأمر في ( النفس) أعقد من ذلك ، فهي جهاز
متعدد العناصر .
3-
واول ما يهمني ذكره من جوانب النفس هو مجموعة (الأفكار)
التي نملأ بها رؤوسنا ، والتي هي ذات شأن في تشكيل سلوكنا ،
ولنبدأمن البداية فنسأل ماهي الفكرة؟
والجواب أنه كما يكون لكل حيوان طريقته التي يحمي بها نفسه حمايةسلبية بالدفاع ، أو إيجابية بالهجوم ، فإن وسيلة الانسان في ذلك ( يقصد أسلوبه) هي (أفكاره)
فبالأفكار يصنع السلاح ، ويصنع الخطط ، ويرسم طريقة السلوك التي تنتهي به اخر الأمر إلي حماية نفسه ، هجوما أو دفاعا ، فالفكرة لاتكون فكرة الا إذا كانت منطوية علي شيئ
يصلح أن يكون أداة لحياة اقوي وأكمل
ان الله لم يجعل الإنسان كائنا عاقلا ، ليجيئ الانسان فيجعل
من عقله ذاك أداة يعبث بها ويلهو ..
والخلاصة :
هناك افكار توجهنا إلي الافضل في حياتنا العملية
وهناك افكار تكون لنا مثل القيود والاغلال ، لاتسمح لنا بحركة تؤدي بنا إلي شيئ مفيد .
-4-
وهنا اذكر فكرتين تملأن حياتنا الثقافية :
الفكرةالاولي :(ان ماضينا يجب أن يعود إلي الحياة ليكون هو حاضرنا )
هكذا تعرض هذه الفكرة (فكرة استدعاء الماضي في الحاضر) بعبارات مختلفة الألفاظ متفقة الهدف والمضمون ، وتعرض علي الناس هكذا بدون تدقيق أو تحليل ، كأن ماضي الانسان قميص يخلعه متي يشاء ويرتديه متي يشاء ، لكن المسالة هنا هي كيف ؟ كيف نبث ماضينا في حاضرنا؟
الفكرةالثانية :
(فكرة أن الإنسان لاحول له ولاقوة ، لأن أموره تجري بمشيئة الله تعالي)
وهذه الفكرة تقال للناس أيضا بدون تدقيق أو تحليل ، إذ لايوجد علي وجه الارض مخلوق واحد من البشر المؤمن بدين ، لايعلم أن وراء جهده واجتهاده وجهاده ، مشيئة إلهية ، لكن الفرق بعيد بين أن( أعلم) هذه الحقيقة الثابتة ، وبين أن تتأثر إرادتي بما قد علمته عنها ، فواجب الانسان أن ( يريد) وان يسعي إلي تحقيق مااراده ، ويكون لله -جل شانه- مشيئة في ان يوفق الانسان إلي تحقيق مااراده أو لايوفق ، فالأمر كما جاء في الحكمة القديمة هو أن (علي أن اسعي وليس علي ادراك النجاح )
فواجب الانسان إذن أن يسعي جهده ، كما لو كان النجاح
مضمونا ، ولكن ادراك النجاح بالفعل ، إنما أمره مرهون بمشيئةالله
وهنا يكون علينا من بين ما نغيره في تربيتنا لابنائنا ان يكونوا
علي (علم) بقدرة الله ومشيئته ، وان يكونوا في الوقت نفسه علي طموح نحو القوة والنجاح والنصر ، وان تكون لهم إرادة
تتكافأ (تتناسب) مع ذلك الطموح ..
-5-
والي جانب تغييرالافكار التي تدور في رؤؤسنا ، هناك تغيير اخر يتصل بالاختلافات التي تنشأ بيننا ، فليس الاختلاف بين فرد وفرد أو بين جماعة وجماعة هو اختلاف (دين أو لا دين ) ، إنما الاختلاف هو:
كيف تكون الظواهر التي يتخذها الدين (,يقصد التدين)
واننا لنعلم جميعا أنه ما من دين ، الاويحدث بين المؤمنين به أنفسهم اختلافات في طريقة الفهم والرؤية ، ومع ذلك تبقى الجماعات المختلفة تحت مظلة ذلك الدين...
......
هناك الكثير والكثير مما يجب أن يتغير في نفوسنا لأن الله لن يغير مابنا حتي نغير نحن اولا مابانفسنا..
##
ليست هناك تعليقات