صاحب السعادة




 بقلم  :الدكتور طارق الغنام 

نسعى جميعاً لأن نكون سعداء ، ولكن ما هي السعادة ؟ قليل منا من يستطيع الإجابة علي هذا السؤال ، فقد شاءت الأقدار أن نسَّخر حياتنا إلي تحقيق هدف لا نعرف كينونته ، والمثير للتعجب أن الكثير منا قد يبذل كل غالي ونفيس للوصول إلي حالة معينة يتصور أن العيش في ظلالها هو غاية السعادة ثم يفاجئ بأنه ضل الطريق وما ظن أنه كان مكمن السعادة كان بابا للشقاء ، ومنا من يظن أن السعادة تكمن في إشباع الرغبات اللامتناهية من اقتناء الأشياء كالذهب والفضة والعقارات والسيارات وغيرها وبلوغ اللذة أينما كانت ، ولكنه يفاجئ بعد بلوغه مأربه بأن المحصلة من السعادة لا شئ ، إذاً ما هي السعادة ، في الواقع أن العديد من الفلاسفة تناولوا معنى السعادة بعد أن وجدوا أن معناها عميق يحتاج َبحْثاً مُسْتَفِيضاً، مُسْتَقْصِياً دَقَائِقَهُ ، فالبعض رأى أن السعادة تكمن في ما يحققه الإنسان من إنجازات ، فطبقاً لفلسفة "الاكيجاي" اليابانية ، فإن السعادة تتطلب منك الحرص على البقاء مشغول بما تحب طوال الوقت. فلكل شخص في هذه الحياة "الاكيجاي" الخاص به. وقد يكون واضح جداً فلا تحتاج للبحث عنه ، وقد يستغرق منك بحث طويلا وتعمق في ذاتك، وعندما تجده سيكون لكل يوم في حياتك معنى ، وعند "أفلاطون" فالسعادة لها معنى آخر ، فالسعادة  تقوم على نوع معين من التناغم والانسجام بين الرغبات والأهداف فهي الخير الأسمى؛ حيث تقوم على تنظيم منسجم لكل الأشياء في الحياة ؛ وهو ما يمكِّن الشخص من القيام بدوره في الحياة ، أما "ارسطو" فيرى أن السعادة هي اللذة وأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بها ، واللذة بدورها يتم تفسيرها باعتبارها غيابا واعيا للألم والإزعاج" ، ويذهب الفيلسوف الكبير "نيتشة" إلي أن السعادة تكون عندما "تتصادم الرغبات وليس بانسجامها" فذلك يعد مصدرا لنوع معين من الابتهاج، وحافزا لذلك النوع من الإنجاز في حين يرى " لسبينوزا" أن السعادة "هي الغبطة التي ندركها حينما نتحرّر من عبوديّة الأهواء ومن الخرافات والأحكام المسبقة". فالإنسان عنده قادر على أن يكون سيّدا على رغباته عبر التفكير، ولذلك يمكنه إدراك البهجة التي - بوسعها أن تؤول إلى غبطة دونما تضحية بالرغبة؛ أي الوصول إلي حالة من إلى الفرح التامّ والدائم.. أما علماء النفس فيرون أن السعادة هي الوصول لدرجة رضا الفرد عن حياته أو جودة حياته، أو أنّها الشعور المُتكرر لانفعالات ومشاعر سارّة، وفيها الكثير من الفرح والانبساط .. وبعيداً عن أراء الفلاسفة وعلم النفس ، فالبعض يري أن السعادة تكمن في تحقيق المكاسب علي أساس أن أي معاملة تدور بين المكسب والخسارة ، فتحقيق المكسب في حد ذاته السعادة بعينها، ولكن هذا المفهوم أثار جدلاً كبيراً بين المفكرين ، فالبعض رأي أن المكسب دائماً ما يقابله خسارة بما يعني أن السعادة تبني علي حساب الآخرين ، وعلي خلاف ذلك رأى الكاتب الشهير " ستيفن آر كوفي " أنه ليس بالضرورة أن المكسب يقابله خسارة ، فمعاملات البشر تدور مع بعضهم البعض في ستة تصورات (مكسب / مكسب) و (خسارة / خسارة) و(مكسب/ خسارة ) (خسارة ومكسب ) و(مكسب فقط ) و( مكسب / مكسب أولا اتفاق) فالضابط في هذه المسألة إرادة الشخص و رؤيته  وحبه للخير وتحلله من الأنانية ، وعلي كل حال فيمكن القول بأن البحث عن سعادة دائمة في هذه الحياة هو مجرد سراب ، فالسعادة أو الغبطة لا تشغل من حياتنا إلا زمناً قصيراً مهما طال ، فهي وقتية في كل الأحوال ، وهي مسألة نسبية تختلف من شخص إلي آخر ولكن من المهم أن نكون علي يقين بأن السعادة الحقيقية لا يعقبها ندم.

هناك تعليق واحد:

  1. مقال جميل يجمع بين ٱراء الفلاسفه والكتاب من جميع أنحاء العالم ورؤيه صادقه وموضوع شيق به كثير من الدراسات والفكر للشعوب من أنحاء المعمور بالتوفيق دكتور طارق

    ردحذف