الإسراء والمعراج



بقلم فضيلة الشيخ / عبد المنعم الطاهر أحمد سليمان

من علماء الأزهر الشريف


الإسراء لغة من السَّرى، وهو السير ليلاً، وقال السخاوي في تفسيره: إنما قال: ليلاً. والإسراء لا يكون إلاَّ بالليل؛ لأن المدَّة التي أُسْرِيَ به فيها لا تُقْطَع في أقل من أربعين يومًا، فقُطعت به في ليلٍ واحد، فكان المعنى: سبحان الذي أسرى بعبده في ليلٍ واحد من كذا وكذا، وهو موضع التعجب، وإنما عدل عن ليلة إلى ليل؛ لأنهم إذا قالوا: سرى ليلة. كان ذلك في الغالب لاستيعاب الليلة بالسرى، فقيل: ليلاً. أي في ليل. 

 

وقيل

الإسراء: رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس.

أما المعراج: فهو رحلة سماوية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس إلى السماوات العلا ثم إلى سدرة المنتهى ثم اللقاء بالله سبحانه وتعالى.

 

وقيل:

الإسراء: هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى في سورة الإسراء: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾.

 

وأما المعراج: فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى في سورة النجم: ﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾.

 

ثانياً: حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء والمعراج:

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الله في مكة فترة طويلة، ولما لم يجد قبولا كبيرا للدعوة أحب أن يفتح بابا جديدا للدعوة في مكان آخر، فذهب إلى الطائف ومشى على قدمه مسافة طويلة جداً، ولما وصل اليها وبدأ يدعوهم الى الله إذا بهم يغروا به سفهائهم وغلمانهم وصبيانهم فآذوه والقوه بالحجارة حتي أدموا قدميه صلى الله عليه وسلم وألجئوه إلى خارج الطائف، وعاد مهموما حزينا.

ومع ذلك لما جاءه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال قائلا له:

كما جاء عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال (لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) صحيح البخاري.

(( الأخْشَبَان )): الجَبَلان المُحيطان بمكَّة. وَالأخشبُ: هُوَ الجبل الغليظ.

 

فيعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ويملأ الاسى قلبه ويملأ الحزن فؤآده، فزوجة حبيبة إلى قلبه قد فارقته، وعم كان يجود عنه قد فارقه، أصحابه في مكة والحبشة لا يستطيع حمايتهم، بل هو نفسه مطارد وقد فقد الأمل في أن يجد للدعوة ارضا خصبة في الطائف للدعوة إلى الله.

 

أما لهذه الاحزان من نهاية، أما لهذا الليل الذي طال ظلامه من صبح صادق وفجر مشرق.

نعم لقد كان هناك حدث عظيم وتسلية مذهلة مسحت أحزان النبي صلى الله عليه وسلم وآلامه،لقد طوى الله له المسافات حتى رأى في جزء من هذه الليلة الجميلة الجليلة ما خلق الله في السماوات من الكواكب والنجوم والجنة والنار...........

 

كانت هذه المعجزة مكافئة ربانية من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على ما لاقاه من آلام وأحزان طوال فترة الدعوة، وكأن الله تعالى يقول لحبيبه المصطفى: إن كان اهل مكة وأهل الطائف قد طردوك فإن رب السماوات والارض يدعوك، قم ايها المصطفى لترحل من عالم الأرض إلى عالم السماء، رفعه الله تعالى إليه ووضع عليه من حلل الرضا ما أنساه كل ما لاقاه من حزن وألم.

ليست هناك تعليقات