د.محمود الهواري .. خطيب الجامع الأزهر: النبي الكريم علمنا أن الأصل في الحياة السلام لا الحرب والرحمة لا القسوة والتسامح لا التعصب 2
الأحداث الجارية ما زالت تثبت أن الإسلام بما فيه من أنوار الوحي وإشراقات الفهم السديد والممارسة الصحيحة هو دين الرحمة والإنسانية والإحسان
كتبت سلوى عثمان
الكلام عن الإسلام ورحمته وسماحته ليس كلاما نظريا أو طرحا وعظيا مجردا أو فلسفة تحلق في الآفاق دون أن تجد لها واقعا تطبيقيا على الأرض
من يعقد مقارنة بين الإسلام وغيره من الحضارات في وقت الحرب يعلم جيدا الفروق الشاسعة بين تعامل المسلمين مع الأسرى وغيرهم
ديننا الحنيف علم العالم كيف يلتزمون بالمعاهدات الدولية التي وضعوها وخالفوها وانتهكوها في السلم والحرب
ألقى الدكتور محمود الهواري الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية ، خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر الشريف والتي دارت حول : " الإسلام دين الرحمة والإنسانية ".
وأكد الدكتور الهواري ، في مستهل خطبته بالجامع الأزهر ، أن الأحداث الجارية ما زالت تثبت أن الإسلام بما فيه من أنوار الوحي وإشراقات الفهم السديد والممارسة الصحيحة، هو دين الرحمة والإنسانية والإحسان، مؤكدا أن الكلام عن الإسلام ورحمته وسماحته ليس كلاما نظريا أو طرحا وعظيا مجردا أو فلسفة تحلق في الآفاق دون أن تجد لها واقعا تطبيقيا على الأرض، لافتا إلى أن من عقد مقارنة بين إحساننا وإساءتهم أدرك الفرق.
وشدد الدكتور الهواري، أن من عقد مقارنة بين أوامر ديننا التي التزمناها وبين المعاهدات الدولية التي وضعوها وخالفوها وانتهكوها أدرك الفرق، ومن عقد مقارنة بين آداب الحرب في الإسلام وسلوك المعتدين أدرك الفرق.
ومن عقد مقارنة بين معاملة أسرانا عندهم وأسراهم عندنا أدرك الفرق، مضيفا: حقا إن الإسلام دين الإحسان، ودين الرحمة، ودين السماحة.
وتابع خطيب الجامع الأزهر: ألم يقل نبينا صلى الله عليه وسلم: « إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، وتأملوا سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تعرف البشرية محاربا وفاتحا أرحم بمحاربيه ومن يقع في يديه من الأسرى من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففي الوقت الذي كانت فيه الجاهلية لا تعرف أخلاقيات للحروب ولا حقوقا للأسرى، جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليضع للعالمين تصورًا سامياً يضمن حقوق الأسرى، ورغم أنَّ هؤلاء الأسرى ما هم إلا محاربون للإسلام، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بالإحسان إليهم، وقرَّر لهم واجبات وحقوقاً على المسلمين ، منها: الحرية الدينية، والحق في الطعام والكسوة، والمعاملة الحسنة، وكلُّ ذلك له شواهد في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وأكد د.الهواري، أن الشيء من معدنه لا يستغرب، ولم لا وهو صلى الله عليه وسلم الذي علمنا أن الأصل في الحياة السلام، لا الحرب وأن الأصل في الحياة الرحمة لا القسوة، وأن الأصل في الحياة التسامح لا التعصب، مؤكدا أن الحقيقة على عكس ما يقول فلاسفة الحضارة ومنظرو الحروب وسماسرة الشعوب الذين يشيعون أن الأصل في الإنسانية الحرب وأن السلام لاحق له.
وأوضح أن المتأمل في أوامر الإسلام ليتملكه الجلال والجمال والروعة من هذه الأوامر الربانية، متابعا: أليس الله عز وجل هو الذي يقول: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله»، متسائلا: أتدرون ما موقع هذه الآية؟ إنها من سورة الأنفال جاءت في ترتيبها الترتلي بعد قوله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»، مضيفا: والمعنى المفهوم أنك بعد أن تملك أدوات النصر والغلبة من عدة وعتاد إن جنح من يحاربك ويعاديك للسلم فاجنح لها، ألم أقل لكم إن الأصل في الإسلام السلام؟!، ولذا قال الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"، ومعنى أبلغه مأمنه وهو مكذب معاند محارب!.
ونوه قائلا: هو الذي يقول في الأسرى : "فأما منا بعد وأما فداء حتى تضع الحرب اوزارها"
، وهو الذي يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعامل الأسرى معاملة الرحيم فيأمره قائلا: «يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم»، مؤكدا أنه بالمقارنة بين هذا الأدب الرباني وبين معسكرات التعذيب والقتل التي شيدت في عصر الحضارة، مسترسلا: ما هذا الرقي؟
وما هذه الرحمة التي تفيض من الإسلام وأوامره؟.
وأردف د.الهواري قائلا: كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء القتال نمطا فريدا في الناس، فرغم أن القتال تزهق فيه الأرواح وتجرح الأبدان، ويحرص كل فريق على هزيمه غريمه وعدوه إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرع لأمته آدابا يتحلون بها قبل الحرب وأثناءها وبعدها .. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»، فإذا وضعت الحرب أوزارها ، ووقع المقاتلون من الكفار أسرى في أيدي المسلمين، راعى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاني الرحمة والكرامة الإنسانية التي تراعي مصلحة الدولة المسلمة وحقوق الأسرى ، والتي لم يبلغها القانون الدولي الإنساني المعاصر ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (استوصوا بالأُسَارَى خيرا ) رواه الطبراني ، وتركت هذه المعاملة الحسنة أثرها في قلوب هؤلاء الأسرى ، فأسلم كثير منهم في أوقاتٍ لاحقة.
واستطرد: يبقى فتح مكة أوضح دليل على السماحة والإحسان، فمن أهم الدلالات التي أفصح عنها فتح مكة موقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أهلها الذين ناصبوه العداء منذ أن بدأ بتبليغ دعوته، فبعد أن أكرمه الله ونصره عليهم، وتمكن منهم، وهم الذين آذوه، وأهالوا التراب على رأسه، وحاصروه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكل هو ومن معه ورق الشجر، بل وتآمروا عليه بالقتل، وعذبوا أصحابه أشد العذاب، وسلبوا أموالهم وديارهم، وأجلوهم عن بلادهم، لكنه - صلى الله عليه وسلم - قابل كل تلك الإساءات بموقف كريم في العفو ـ يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين ـ ، فقال لهم: (ما ترون أني فاعل بكم ؟! ، قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء) رواه البيهقي .
وشدد على أنه من الحقوق التي كفلها الإسلام للأسير حقُّ الطعام والكسوة ، فلا يجوز تركه بدون طعام وشراب حتى يهلك ، وقد عنون البخاري في صحيحه بابًا أسماه : "باب الكسوة للأسارى»، مضيفا: لقد كفل الإسلام الحرية الدينيَّة للأسير، فلم يجبره على اعتناق دين أو تبني فكرة ، بل من حقوق الأسير حقُّه في ممارسة شعائر دينه خلال مدَّة أسره ، فلا يُجْبَرُ الأسير على اعتناق الإسلام ، ولم يُعْرَف عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أجبر أسيرًا على اعتناق الإسلام ، ومن ثم لما رأى بعض الأسرى تلك المعاملة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دفعهم ذلك إلى اعتناق الإسلام ، وكان ذلك بعد إطلاق سراحهم ، كما فعل ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ـ رضي الله عنه ـ ، فبعد أن أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإطلاق سراحه , ذهب ليغتسل ويُسْلِمَ ، وكذلك فعل الوليد بن أبي الوليد بعد أن افتداه أهله من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسلم ، فقيل له : لماذا أسلمت بعد الفداء ؟ ، فقال : حتى لا يظنَّ أحد أنما أسلمتُ من عَجْزِ الأسر .
وأكد أن معاملة الأسرى تختلف من عصر إلى آخر ، ومن شريعة إلى أخرى ، فبعض الأمم كانت تفتك بالأسرى لإرهاب عدوها ، ولم تعرف الأمم قانونًا لمعاملة الأسرى قبل الإسلام ، وقد راعى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاني الرحمة والكرامة الإنسانية مع الأسرى من أعدائه ، تلكم الرحمة التي لم يبلغها القانون الدولي الإنساني المعاصر ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصيته العامة والشاملة لكل إحسان وخير بالأسرى : ( استوصوا بالأسارى خيرا ) رواه الطبراني .
ليست هناك تعليقات