الصمت العربي الإسلامي وعد بلفور جديد

 


بقلم الدكتور غادة عبد الرحمن 

بينما يقوم الكيان الصهيوني، الغاصب، بحربه الهمجية، وهجماته البربرية، ضد الشعب الفلسطيني، الأعزل، في قطاع غزة، التي يشاركه فيها العرب، والمسلمين، بالصمت القاتل، واللامبالاة المخزية، يكتمل العام السادس بعد القرن الأول من عمر الجريمة، التاريخية، الكبرى، التي تتضمن إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وذلك في أكبر عملية قرصنة شهدتها البشرية على مدار أكثر من مائة عام. 


حيث أدى وعد بلفور، الصادر في الثاني من نوفمبر عام ١٩١٧م إلى ضياع وطن، وتشريد شعب، وتمزيق أمة، وذلك ثمناً باهظاً دفعه، ومازال يدفع فيه الشعب الفلسطيني، من دمه، وأرضه، وحياة أبنائه، لشراء بريطانيا رضا عصابة بني صهيون عليها.


وللعلم، وعد بلفور ليس الوحيد من نوعه، بل هناك العديد من الوعود المماثلة، التي تستهدف في مجملها سلب الشعب العربي حقه، في أرضه، وأرض أجداده، وإعطاء بني صهيون ما ليس لهم. 


وقد كان أول تلك الوعود، التي سجلتها صفحات التاريخ، ما قام به الملك الفارسي "قورش" عام ٥٣٨ق.م، حيث وعد اليهود بالتوطين في فلسطين، وبناء ما يسموه هيكل سليمان، وقد تم وذلك مكافأة لهم على مساعدة الفرس، في مهاجمة مملكة بابل، والاستيلاء عليها، ونهبها، وقد أشارت بعض الوثائق التاريخية، عن وعد فارسي آخر، منحه أحد ملوك الفرس خلال القرن الرابع الميلادي، مقابل مناصرة اليهود له في حرب كان يخوضها في ذلك الوقت، ولكنه عندما انتصر تراجع عن وعده هذا، ونحن نرجح أن يكون ذلك الوعد قد جاء تزامناً مع وعد الإمبراطور الروماني "جوليان"، الذي قام عام ٣٦١م بوعد اليهود بمنحهم الاستقلال، وإعادة بناء هيكلهم المزعوم، وذلك لضمان ولاءهم، ومناصرتهم له في حربه مع الفرس، حيث أثبتت التجارب التاريخية، أن الصهاينة لا يراهنون على طرفاً ما في أي صراع كان دون الطرف الآخر بل يراهنون علي كل الأطراف، حتى إذا خسر طرف كسبوا رهانهم على الطرف الفائز، وقد ضاع وعد "جوليان" مع مقتل صاحبه.


ثم جاء العصر الحديث ليحمل في طياته عدة وعود مماثلة، حيث وردت أخبار عن قيام القائد الفرنسي "نابليون بونابرت" في أواخر القرن الثامن عشر بوعد اليهود بفلسطين إذا انضموا إليه، داعمين، ومساندين، لحملته على مصر والشام، وقد فشل وعد نابليون بفشل الحملة الفرنسية، وعلى الرغم من تشكيك البعض في ذلك الوعد إلا إن التفسير المنطقي لما حدث يجعلنا نقطع الشك باليقين، فعندما نجد اليهود الذين لا يقدمون أي شيء، لأي طرف، إلا إذا كان لهم مصلحة، معتبرة، في ذلك، يقومون بتقديم المساعدة، والتمويل، لحملة "نابليون" الطامح في الاستيلاء على مصر وبلاد الشام، التي تتضمن أرض الميعاد، يجب علينا أن نسلم بصدور ذلك الوعد.


هذا وقد كان للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، دوراً هاماً، في منح مثل هذه الوعود، حيث أرادت بريطانيا شراء الرضى الصهيوني بأي ثمن، وذلك لضمان شروق شمسها إلي الأبد، فقد قامت الحكومة البريطانية عام ١٩٠٣م بمخاطبة اللورد "كرومر" مندوبها السامي في مصر في ذلك الوقت، عن إقتراح بإنشاء وطن قومي لليهود في شبه جزيرة سيناء، مطالبين إياه بتقديم كافة التسهيلات، لإتمام هذا المشروع، وبالفعل وضع "كرومر" المشروع قيد التنفيذ، وقامت مجموعة من العلماء اليهود بزيارة شبه جزيرة سيناء، للمعاينة على الطبيعة، ولكن قد فشل هذا المشروع، مع رفض اليهود له، ثم عادت بريطانيا لمحاولة إرضاء الصهاينة، من خلال إقتراح آخر، بإنشاء وطن قومي لهم في أوغندا، وقد رفض اليهود هذا الاقتراح أيضاً، حيث لم يرضوا عن أرض الميعاد بديلاً لتكون بداية، ورأس حربة، لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات، هذا حتى عام ١٩١٤م، وبدأت الحرب العالمية الأولى في دق طبولها، وبدأ سباق الأطراف، المتصارعة، للوصول إلى تأييد الصهاينة، وقام كل من طرفي النزاع بتقديم عطائه، والمتمثل في وعد بفلسطين، موقوف على تحقيق الانتصار، ولحق بوعد بلفور وعد آخر، أعطاه الصدر الأعظم "طلعت باشا"، ممثل الدولة العثمانية، الذي كان عليه حماية الأقاليم التابعة لدولته، والحفاظ عليها، بدلاً من التفريط فيها لأي طرف كان، وهذا يعد رداً قوياً على كل المتباكين على الدولة العثمانية، التي من المفترض تمثل الخلافة الإسلامية، فها هي تتنازل عن أول قبلة للمسلمين، ومسرى الرسول ﷺ، وحتى لا نخرج عن الموضوع فقد أيدت ألمانيا الوعد التركي، ليغتنم الصهاينة وعدان بفلسطين، من طرفي الصراع، في الحرب العظمى، التي وضعت أوزارها بانتصار بريطانيا وحلفائها، ومن ثم تنفيذ وعد بلفور، أما وعد الطرف الآخر فقد دفن بهزيمته.


وأخيراً، لقد شهد التاريخ على وقوع ذات الجريمة لمرات عدة خلال حقبه المختلفة، باختلاف الطغاة، والغزاة، الطامعين في الهيمنة على الأمم، واغتصاب ثروات الشعوب، وذلك لشراء رضى بني صهيون، وضمان مناصرتهم في حروبهم غير الشرعية، ومن هنا يتضح إن بريطانيا ليس وحدها من أذنب، بل المذنبون كثر بما فيهم نحن العرب، وذلك عندما تركنا فلسطين مرمى للمراهنين، والطامعين، ويعد صمتنا المخزي، على ما يحدث حالياً على أرض غزة، وعلى مدار ٢٦ يوم، من حصار، وحرق للأطفال، وإبادة لشعب بأكمله، لخير دليل على ذلك.

ليست هناك تعليقات