حرق المصحف الشريف وشرعنة ازدراء الأديان

 


بقلم الدكتورة غادة عبد الرحمن 

إن ما حدث في العاصمة السويدية ستوكهولم، خلال الأيام الماضية، من حرق للمصحف الشريف، بشكل علني، مما أثار الغضب في نفوس المسلمين في شتى بقاع الأرض، ليس بالشيء الجديد، أو الحدث الأول من نوعه، بل انه مجرد حلقة من حلقات سلسلة طويلة من ازدراء الغرب لدين الإسلام، والإساءة لكل ما هو إسلامي، دون توقف، وذلك منذ أنتهاء الحرب الباردة، وانهيار الإتحاد السوفيتي، أوائل تسعينيات القرن الماضي، وتخلُّص الغرب من عدوه التقليدي، ليتفرغ لعدوه القديم، الحديث، والمتمثل في الإسلام، والمسلمين.


ويتضح ذلك جلياً فيما صرح به الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأبن، عندما أعلنها صراحة عن حرب صليبية، وذلك في أعقاب حادث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١م، كاشفاََ بذلك الإعلان عن حقد دفين، وناراََ لم تهدأ منذ العصور الوسطى، وهذا ما عبر عن ذاته فيما تلى ذلك الإعلان من حرب شعواء، على الإسلام، والمسلمين، تحت مسمى الحرب على الإرهاب، التي لم تقف عند حد إجتياح البلدان، واحتلال الأوطان، بل امتدت لتطول كل ما يخص الإسلام، والمسلمين، بداية من سب الرسول الكريم ﷺ، والإساءة إليه علناََ، وتدنيس المقدسات، وإهانتها، على مرأى ومسمع، من الجميع، واضطهاد المسلمين، وملاحقتهم في شتى أنحاء العالم.


حيث اتخذ الغرب من الإساءة للإسلام سياسية ممنهجة، بداية من الإدعاء على الدين السمح بأنه دين يحض على التطرف، وكراهية الآخر، وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، دون غيرهم، هذا بالإضافة إلي الحملات الشرسة التي تخوضها وسائل الإعلام المختلفة بين حين وآخر، كان أبرزها ما قامت به إحدى الصحف الدنماركية عام ٢٠٠٥م من نشر رسوم مسيئة لسيدنا محمد ﷺ، ثم أنضمت إليها عدد من الصحف الأوربية، متخذة نفس النهج في الإساءة لأشرف الخلق، والدين الحنيف، وذلك كمناصرة وتأييد للصحيفة الدنماركية، أمام ثورة الغضب العارمة التي اجتاحت أرجاء العالم الإسلامي في حينها، وذلك في إصرار غير مبرر على الإساءة، وتحدي صارخ لمشاعر المسلمين، وصل للذروةَ عندما قامت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عام ٢٠١٠م بتكريم الرسام الدنماركي "كورت فيسترغارد" صاحب الرسوم المسيئة للنبي ﷺ، وتسليمه جائزة حرية الصحافة، لشجاعته في الدفاع عن القيم الديمقراطية، وحرية الرأي، وذلك وفقاً لرأي ميركل.


فلم تقتصر حملات تشويه الإسلام، والإساءة للمسلمين، على وسائل الإعلام المختلفة، بل يشاركها في ذلك العديد من الأطراف، والجهات، الرسمية، وغير الرسمية، وليكن ما صرح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام ٢٠٢٠م، لخير دليل، وذلك لما تضمنه التصريح من نظرة عنصرية للإسلام، وانتقادات حادة للمسلمين، مما أثار حفيظة العالم الإسلامي في ذلك الوقت، هذا بالإضافة إلي العديد المواقف المماثلة، والكاشفة عن مدى عداء الغرب لكل ما هو إسلامي، الصادرة عن شخصيات عامة، تتولى مناصب رسمية، ومكانة مرموقة، في المجتمع الغربي.



هذا ودائماََ ما تتخذ حماية الحرية الشخصية، والحق في التعبير عن الرأي، ذريعة لتبرير مثل هذه المواقف، وتحويلها من ازدراء للاديان، وإساءة للمقدسات، إلى حق مشروع، يكفله القانون، الدستور، في شتى أنحاء العالم، ومع ذلك لم نجد موقع للحرية الشخصية، والحق في التعبير، فيما يحدث مع مسلمي الغرب، من انتهاك لأبسط الحقوق، وتضييق على الحريات، وذلك من خلال العديد من التصرفات، والإجراءات، من بينها سن القوانين العنصرية، التي تحد من حرية المسلمين، الشخصية، والدينية، مثل القانون الفرنسي الذي يحظر ارتداء الحجاب، في العديد من مؤسسات الدول الفرنسية، وغيره من القوانين الجائزة، التي لا تمت للعدالة بصلة، وبذلك تكون ازدواجية المعايير هي الطريقة المعتمدة في تعامل الغرب مع الإسلام، والمسلمين.


وأخيراً، ان حرق المصحف الشريف، ليس إلا فصل من فصول المسرحية الهزلية، المستمرة في العرض منذ سنوات، ولا نتوقع نهاية قريبة، لهذه المسرحية، أو عرض للفصل الأخير، طالما بقى حال العالم الإسلامي على ما هو عليه، من ضعف، ووهن، وتشرذم، وتقاتل داخلي، وظل رد فعلنا الوحيد، والثابت، لا يتعدى حد الشجب، والإدانة، وبعض المسيرات الغاضبة، هنا وهناك، أمام كل ما يوجه إلينا من إساءات، تمس أقدس مقدساتنا.

ليست هناك تعليقات