اقتحام الأقصى وبلون الأختبار

 


بقلم : الدكتورة غادة عبد الرحمن 

"مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى، تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال" .... جملة أعتدنا على سماعها، أو قرائتها، في وسائل الإعلام المختلفة، بين حينََ وآخر، كما أعتدنا على الرد فعل العربي، والإسلامي، المتخاذل، الذي لا يخرج عن الصمت، أو الشجب، والإدانة، وبين الفعل، ورد الفعل، تمر السنين دون أن تضع حداََ لمأساتنا الكبرى، أو تحسم قضيتنا، التي دائماً ما نصفها بقضيتنا المركزية. 


فأصبح اقتحام المسجد الأقصى بلون اختبار، يستخدمه الكيان الصهيوني من وقت لآخر، لجس النبض، والتيقن من ثبات رد الفعل، وذلك تحسباََ لأي تغيير، يكون قد طرأ على موقف العرب، والمسلمين، تجاه ما يحدث على الأرض المحتلة، من جرائم كفيلة بتفجير براكين الغضب، في شتى أنحاء الوطن العربي، ولكن للأسف، دائماً ما يكتفي العرب بالشجب، والإدانة، كرد فعل وحيد، على كل الجرائم، الصهيونية.


وفي المقابل، يزداد شعور الكيان الغاصب بالأطمئنان، والارتياح، ومن ثم يسير على قدمََ وساق في تنفيذ المؤامرة التاريخية الكبرى، فيتمادى في إجرامه، دون تردد، ويغالي في عدوانه، دون توقف، ويزداد في إثمه، دون تراجع، فنجده يضاعف من عمليات الاجتياح، وقتل الأبرياء، ويلتهم المزيد من الأراضي العربية، ويسرع من عملية تهويد مدينة القدس الشريف، وغيرها من الأفعال، المشينة، التي تعد وصمة عار في جبين الإنسانية كافة. 


ولا ندري ما السبب الذي أدى بنا لهذا الوضع المزري، وهذه الحالة المتردية، من الضعف، والوهن، واللا مبالاه؟ فلم نعد نبالي بشيء مهما كانت قيمته، وأهميته، ولم نعد نحرك ساكناََ لتدنيس المقدسات، وقتل الأبناء، وأغتصاب الأوطان، فلم نثور لتحويل المسجد الأقصى إلى مرتعاََ للصهاينة، يرتكبون فيه كل ما يحلى لهم، غير عابئين بأي رد فعل، يتوافق مع جسامة الحدث، ولم نغضب لأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسولنا الكريم ﷺ، وكأن أمة أقرأ أصبحت أمة أصمت، وهذا ما يراهن العدو الصهيوني عليه، ومع الأسف دائماً ما يكسب الرهان.


وبعيداََ عن التصريحات الجوفاء، التي لا تساوي شيئاََ، عن ما يسمى بمفاوضات السلام، مع قتلة الأنبياء، هناك حقيقة، واحدة، وغير قابلة للنقاش، مفادها أن الكيان الصهيوني لم ولن يتنازل يوماََ عن حلمه في وطن قومي ممتد من النيل إلى الفرات، عاصمته مدينة القدس، وبناء هيكلهم الأكذوبة، على أنقاض المسجد الأقصى، ومن ثم سيستمر العدو الصهيوني في السير قدماََ نحو تحقيق الهدف المنشود، دون تراجع، أو تردد، ومهما تكلف ذلك من دماء الشعب العربي، وأرضه، ومقدساته، ولهذا علينا أن نقرر، وبأقصى سرعة، ماذا سنفعل، أمام المخطط الصهيوني، الرهيب، الذي يقترب يوماً بعد يوم من الاكتمال، هل سنفيق من سباتنا، ونهب لنصرة أقصانا، وحماية أرضنا، ومؤازرة أشقائنا؟ أم سنظل على صمتنا المخزي، إلى أن نجد دولة إسرائيل الكبرى قد أصبحت واقع ملموس؟


وأخيراً، لقد شهدت الآيام القليلة الماضية اقتحاماََ جديد للمسجد الأقصى، ولن يكون الأخير، ما دام الأقصى قائماََ، ومن ثم وجب علينا أن نكون على مستوى الحدث، ونقوم مسؤولياتنا التاريخية، تجاه أوطاننا، ومقدساتنا، وأشقائنا، وإلا فأن التاريخ لن يرحم أحداََ.

هناك تعليق واحد:

  1. الاسم : ( آلاء محمد حسن محمود)

    المقال ده لمسني بعمق لآنه بيعبر عن واقع بنعيشه كل يوم ،وسط اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى ، وتخاذل عربي وإسلامي مؤلم . الكلمات مش مجرد وصف ، دي صرخه في وجه الصمت ، وتذكير بأن الاقصي مش قضية موسمية ، ولا ملف سياسي قابل للتفاوض ، ده رمز لعقيدتنا وهويتنا وتاريخنا . اللي لفت نظري كمان هو التحليل النفسي للكيان الصهيوني ، اللي رغم كل مظاهر القوة بيعيش حاله من القلق والارتباك ، وده بيظهر في تصرفاته العدوانية اللي بتحاول تغطي علي هشاشته الداخليه . المقال بيحطنا قدام سؤال واضح : لحد إمتي هنفضل نكتفي بالشجب ؟ فين الفعل ؟ فين الموقف الحقيقي اللي يردع العدوان ويصون الكرامه ؟ الاقصي مش بس مسؤوليه الفلسطينيين ، دي مسؤوليه كل واحد فينا ، وكل لحظه سكوت هي مشاركة غير مباشرة في تهويد المكان . لازم نراجع أنفسنا ، ونفهم إن التاريخ مش هيرحم ، وإن الأجيال الجاية هتحاسبنا علي صمتنا .

    ردحذف