محمد رسول الوسطية واليسر
بقلم استاذ دكتور سالم السكري وكيل كلية أصول الدين الدين للدراسات العليا
فقد ولد نبي الرحمة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، فكان ميلاده نوراً وضياءً للكون كله ، كما كانت بعثته هدىً ورحمةً للعالمين ، قال تعالى " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" وفي الحديث أنه قال :( إنما أنا رحمة مهداة ) رواه الدارمي. ومن مظاهر رحمته دعوته إلى الوسطية والاعتدال ، وتأكيده علي يسر الدين وسماحته ، وأنه إنما جاء بالحنفية السمحة ، ومن الأحاديث الدالة علي ذلك قوله ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ) رواه البخاري ، والمراد بالسداد فيه القصد والاعتدال في العبادة ، فلا يقصر المسلم فيما أُمر به ، ولا يتحمل ما لا يطيقه ، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ومن الأحاديث في ذلك أيضاً قوله : (أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة ) أي الشريعة السهلة السمحة ، ولم يكتف الرسول ببيان يسر الدين وسماحته ، بل حذر أمته من الغلو في الدين والتطرف ، وبين أن ذلك من أسباب هلاك الأمم والمجتمعات وذلك في قوله :( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) وفي حديث أخر قال : هلك المتنطعون ، قالها ثلاثاً ) رواه مسلم ، والمتنطعون هم المتشددون في غير موضع التشدد ، وهذا التحذير من النبي عام في جميع أنواع الغلو والتشدد سواء كان في الاعتقادات أو في الأعمال والسلوك . وقد كان من هديه الأخذ بالأيسر دائماً ، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها – قالت : ما خُير النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ) رواه البخاري ومسلم، وكان يوجه أصحابه إلى الأخذ بالأيسر والاعتدال في العبادة ، فعن أنس رضي الله عنه قال : دخل النبي المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين ، فقال : ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب فإذا فترت – أي كسلت عن القيام في الصلاة – تعلقت به، فقال النبي (حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا افتر فليرقد ) رواه البخاري ومسلم . وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي دخل عليها وعندها أمرأه قال : من هذه ؟ قالت : هذه فلانة تذكر من صلاتها – أي كثرة صلاتها – فقال : (مه عليكم بما تطيقونه ، فو الله لا يمل الله حتي تملوا ، وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه ) رواه البخاري ومسلم .
والأحاديث في الدلالة علي وسطيته ودعوته إلي اليسر كثيرة ، الأمر الذي يدل علي أن رسالته لم تكن في يوم من الأيام رسالة شدة أو عنف بل رسالة سماحة ويسر ، فلا مكان فيها لغلو أو عنف ، ولكنه الاعتدال والرفق والرحمة .
_edit_4244663356974.jpg)
ليست هناك تعليقات