الهجرة النبوية دروس وعبر

الدكتور سالم السكري وكيل كلية أصول الدين للدراسات العليا 


بقلم الدكتور سالم السكري وكيل كلية أصول الدين للدراسات العليا 

فكلما مضى عام هجري ، وأقبل عام جديد تذكر المسلمون هجرة النبي وأصحابه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، تلك الهجرة التي كانت نصراً مؤزراً للرســـــــول وميلاداً جديداً للإسلام ، فتح باب الأمل على مصراعيه أمام حياة جديدة ومستقبل مشرق لهذا الدين العظيم . 

وإذا كان للهجرة النبوية دروس عظيمة من أهمها : التخطيط الجيد ، والأخذ بالأسباب مع الاعتماد على الله تعالى ، فإن الدرس الذي ينبغي أن يستفيده المسلم في عالم اليوم من هذه المناسبة هو الاعتبار بمرور الزمن ، ومعرفة أهمية الوقت في حياة الإنسان ، فإن مرور عام من حياة الإنسان ليس بالأمر الهين ، بل إن مرور يوم واحد من حياة أي إنسان أمر له خطره ، وخاصة إذا لم يتزود فيه بعمل صالح ، وفي الأثر عن الحسن البصري قال : "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم أنا يوم جديد ، وعلي عملك شهيد ، فاغتمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة " .  

ومن الدروس العظيمة للهجرة أيضاً : إرساء مبدأ الأخوة الإسلامية ، والتعايش السلمي بين أبناء المجتمع ، فبمجرد وصول الرسول إلى المدينة المنورة قام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الحب والإيثار لإخوانهم المهاجرين ، وشهد الله تعالى لهم بذلك في قوله : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " الآية (9) الحشر ، أي : من كرم الأنصار وشرف نفوسهم أنهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم ، وقد قوبل هذا الكرم والإيثار من المهاجرين بالثناء والدعاء ، فعن أنس – رضي الله عنه – قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، ولا أحسن بذلاً في كثير ، لقد كفونا المؤونة ، وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله ، قال : لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم " رواه الترمذي وأبو داود ، كما عقد الرسول بين طوائف المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود وغيرهم وثيقة للتعايش السلمي ، أكد فيها علي التسامح مع الآخر ، وأن لغير المسلمين من الحقوق والواجبات مثل ما للمسلمين ، فقد جاء فيها : يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، كما منحهم حق الاعتقاد والتدين وممارسة الشعائر حيث جاء فيها " " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم " فلا يجبر أحد علي الدخول في الإسلام ، كما قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " الآية (256) البقرة . 

    هذا وبالله التو

ليست هناك تعليقات