رمضان_وعودة_الوعي
![]() |
الدكتور محمد قاسم المنسي |
بقلم : الدكتور محمد قاسم المنسي
يعد (الوعي) أسمى درجات الحياة والوجود؛ إذ يقاس الوجود الإنسانى بعدة مستويات: فهناك الوجود المادى والوجود المعنوى، وهناك الوجود الغافل والوجود الواعى، وهناك الوجودالساكن والوجود المتحرك.. ولكن أعلى هذه المستويات هو الوجود الواعي.. الذى يعنى قدرة الإنسان على فهم ذاته وفهم الآخرين عندما يتعامل معهم فى مواقف الحياة المختلفة.. وتشتق كلمة الوعي -فى اللغة العربية- من الفعل (وعى) وهو يشير إلى معانى الإحاطة بالشيء وحفظه واستيعابه وتدبره.. وفى الجملة يدل هذا الفعل على حالة إيجابية ويوصف به الأشخاص الذين يتمتعون بسلامة الفهم واليقظة والانتباه.. وفى القرآن الكريم قوله تعالى: (...وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (الحاقة: 12).. فالأذن هنا موصوفة بالوعى مع أن مهمة الأذن هى نقل الأصوات إلى الذهن.. لكنها أضافت إلى عملية النقل عملية أخرى هى (الوعى بما تنقل) فهى ليست أذنًا عادية.. يؤكد ذلك الفعل (تعيها) ولم يقل تدركها فجمعت العبارة القرآنية بين الفعل والصفة لموصوف واحد وجاءت بصيغة التنكير (أذن) للدلالة على قلة من يعى من البشر ويتدبر العواقب.. وعلى هذا فإن الوعى خاصية من خواص الإنسان لا يشاركه فيها غيره من المخلوقات وهو يلعب دورًا مهمًا فى أحداث التطور الاجتماعي.. ومن هنا يأتى رمضان كل عام لاستعادة الوعى المفقودخصوصًا فى زماننا لأسباب كثيرة على رأسها النمط المادى والاستهلاكى للحياة الذى جعل الإنسان يدور فى حلقة مفرغة وألقى به فى دوامة الحسابات المادية والشواغل اليومية التى أفقدته الوعى والتركيز ومن ثم غفل عن الأهداف الكبرى للحياة... فى رمضان يستعيد المسلم وعيه بثلاثة أمور فى غاية الأهمية: وعيه بالوقت أو الزمن، ووعيه بالبيئة أو الكون الذى يحيط به، ووعيه بذاته الفردية والاجتماعية.. أما وعيه بالزمن فهو أن رمضان شهر لكنه ليس كأى شهر.. هو شهر له مذاق خاص فى الذاكرة والتاريخ (رمضانات كثيرة) وهو شهر مقسم إلى أجزاء عشر ثم عشر ثم عشر.. أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران.. وهذا التقسيم من بين أهدافه التشريعية استعادة الوعى بأهمية الزمن لما له من أثر كبير فى حياة البشر.. ويظل الوعى بأهمية الزمن فارقًا مهمًا بين التقدم والتخلف.. حيث يقاس الزمن فى بلاد العالم المتقدم بالدقائق وفى بلاد العالم المتخلف بالأيام وربما بالشهور والأعوام.. كل ذلك لفقدان الوعى بقيمة الزمن..
ليست هناك تعليقات